حتى الحرف فى القرآن يحمل إعجازاً
حتى الحرف فى القرآن يحمل إعجازا
يقول الله تعالي فى كتابه الكريم فى سورة الواقعة :
"أفرأيتم ما تحرثون * أءنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون" ثم في موضع آخر يقول :
"أفرأيتم الماء الذي تشربون * أءنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلنه أجاجاً فلولا تشكرون"
فى الآية الأولى كان الحديث عن الزرع و النبات الذي يحرثه ابن آدم فيؤكد له المولى أن الفضل فى خروج هذا النبات إلى الحياة هو الله وحده و ليس الآلة أو البذور أو مجهود الانسان ، و إلا فما معني خروج هذا النبات صحيح و المجاور له تماماً عطب ؟ و لما كان الإنسان مجرد حارثاً لهذا النبات و ليس له بزارع ،كان المولى يريد أن يؤكد له و يذكره أنه تعالي صاحب الفضل فى عملية الإنبات فلا يرجع من هذا الفضل شئ لنفسه أو يتصور أن هذا الزرع ظهر علي سطح الأرض بفضل مجهوده هو فأضاف لام التأكيد إلى" جعلناه" ليؤكد على تفرده وحده بذلك الفضل .
أما في شأن الماء فالأمر مختلف ، فلا شك أن الله وحده هو من أنزل الماء من المزن و لا قدرة علي ذلك لأحد غيره ، فليس الموضع هنا محلا لتأكيد هذه الحقيقة ، لأنه لا يُتصور أن يظن المخلوق أنه صاحب فضل فى نزول المطر! لذلك جاءت "جعلناه" دون لام التأكيد .
و هنا دقة اللفظ القرآني الذي لا يضع حرفاً إلا بمحله ، و إعجاز القرآن كما يقول العالم الراحل الدكتور/ عبد الصبور شاهين هو ليس فقط في الاعجاز العلمي أو العددي أو غيرها من أوجه الإعجاز التي يستوعبها القرآن ، بل هي في الأصل تكمن في وحدة بناء القرآن و هي الكلمة و التى يراها العلامة الراحل كوجه فريد و أساسي من أوجه الإعجاز و التي لا تزال مهضومة الحق إلى الأن ، حيث أن اللفظ القرآني لفظ معجز حمّال لوجوه عدة .