تفسير لبعض آيات سورة النور
تفسير لبعض ايات سورة النور
بسم الله الرحمن الرحيم
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ
أي أن الله جل ثناؤه منور الكائنات، أنار السماوات بالكواكب المضيئة وأنار الأرض بالشرائع والاحكام وبعثة الرسول الكرام .
قال ابن مسعود : (( ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السماوات والأرض نور وجهه)) أي من النور الذي خلقة الله فاستنارت منه الكائنات.
وفسر الطبري الآية بأن معناها: (( الله هادي أهل السماوات والأرض فهم بنوره إلى الحق يهتدون وبهداه من حيرة الضلالة يعتصمون)) .
وقال أبن القيم : (( سمي الله سبحانه وتعالى نفسه نورا وجعل الكتاب نورا ورسوله نورا واحتجب عن خلقه بنور .. قيل : وما قاله أبن مسعود أقرب إلى تفسير الآية من غيره )).
هذا تمثيل حيث مثل لهدايته عباد
ثم قال تعالى (( مثل نوره كمشكاة ))ة المؤمنين بالنور الوضاء ولهذا ختم الآية بقوله(( ويضرب الله الأمثال )) وكثيراُ ما يضرب القرآن النور على الإيمان والظلام على الكفر كقولة سبحانه : (( لتخرج الناس من الظلمات إلى النور )) ومعنى قوله تعالى : (( مثل نوره كمشكاة فيها مصباح )) أي مثل نور الله الذي أودعه الله في قلب عبده المؤمن كفتحة كوة – أي طاقة – في الحائط ليس لها منفذ ليكون أجمع للضوء وأنور للمكان في هذه الكوة مصباح أي سراج ثاقب ضخم (( المصباح في زجاجه)) أي قنديل من الزجاج الصافي الوضاء (( الزجاجة كأنها كوكب دري )) أي كأن الزجاج في صفائه وضيائه شبيه بالكواكب المتلألئ الوقاد يشبه الدر في البهاء والحسن ((يوقدمن شجرة مباركة زيتونه لا شرقية ولا غربية )) أي زيت هذا المصباح الذي يوقد به يخرج من شجرة زيتونه مباركة كثيرة المنافع تنبت هذه الشجرة على ربوة مرتفعة ليست في ناحية شرقية ولا غربية من الأرض، فالشمس لا تكاد تغيب عنها لا في حال الطلوع ولا الغروب فيكون زيتها أجود وأصفى وأضوأ .
(( يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ))
أي يكاد زيت هذه الزيتونه يضئ من صفاته وحسن ضيائه ولو لم تمسه النار فكيف وقد أوقد به المصباح ؟ فتضاعف النور والضياء .
(( نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ))
أي هذاهو المثل الذي ضربه الله لنور المؤمن الذي أودعه الله في قلبه فهو نور عظيم متضاعف
( نور الإيمان، نور الهداية، نور الطاعة، نور المعرفة بصفات الله )، يوفق الله الى هذا النور الالهي من أراد توفيقة الى طريق الهداية والسعادة وهذه الهداية التي اشارت اليها الايه هداية خاصه موصلة إلى الايمان والسعاده وليس المراد بها مجرد الدلالة، ويضرب الله الأمثال لتقريبها لعقول البشر والله واسع العلم يعلم المؤمن من الكافر والبر من الفاجر، فإن قيل : لم مثل الله سبحانه نور معرفة الله تعالى في قلب العبد المؤمن بنور المصباح دون نور الشمس مثلا ؟
فالجواب أن المقصود تمثيل النور في القلب ولما كان القلب في الصدر في الداخل والصدر في البدن، ناسب التمثيل له بنور المصباح في كوة الحائط والجدار، قال شيخ المفسرين الطبري: ذلك مثل ضربه الله عز وجل للقرآن في قلب أهل الايمان فقال : مثل نور الله الذي أنار لعباده سبيل الرشاد مثل كوة في الحائط لا منفذ لها فيها مصباح أي سراج وهذا السراج مثل لما في قلب المؤمن من القرآن والايات البينات فأستنار قلب المؤمن بنور القرآن فخلص من الشك والكفر وعنى بزيت الزيتونه التي تخرج من شجرة مباركة أن حجج الله على خلقة تكاد من بيانها ووضوحها تضيء لمن فكر فيها ونظر، ولو لم يزدها الله بيانا ووضوحا بنزول هذا القرآن فكيف وقد نبههم به وذكرهم بآياته؟ فزادهم بها حجة ويقيناً وذلك نور من الله ونور على نور .