عروس البحرفي أعمال البحار البعيدة حيث تعيش شعوب الماء بين غريب النباتات وجماعات
السمك، وفي أعمق مكان منها بنى ملك البحر قصره الذي شيده من المرجان والعنبر الأصفر والصدف.
وكان للملك ست بنات فقدن أمهن وهن صغيرات،
فعملت جدتهن على تدبير شؤون القصر ورعايتهن، وكانت كل واحدة منهن أجمل من
الاخرى، إلا ان اصغرهن كانت تفوق الجميع جمالا، وكانت أجسادهن جميعا تنتهيبذيل سمكة.
لم تكن الفتاة الصغيرة كشقيقاتها في الطبع حيث كانت تميل
إلى التفكير الدائم والهدوء والرغبة في اكتشاف العالم الآخر فوق سطح
المياه، إلا ان قوانين البحر كانت تمنعهن من الصعود إلى سطح الماء إلا بعد
بلوغ الخامسة عشرة من العمر، وكانت هي لم تبلغ العاشرة بعد.
وبعد عام
بلغت اختهن الكبرى السن التي تسمح لها بالتعرف على العالم الآخر. وعندما
صعدت من أعماق البحر فوجئت بما رأت من شواطئ جميلة مفروشة بالرمال تتكسر
عندها أمواج البحر وضياء القمر وأنوار المنازل، فعادت محملة بالاخبار
لشقيقاتها، تروي لهن ما رأت من جمال الطبيعة التي لم تكن تعلم عنها شيئا.
وفي العام التالي سمحت الجدة للأميرة الثانية بان تصعد إلى سطح البحر، فاتفق
ان اخرجت رأسها من الماء في الوقت الذي كانت فيه الشمس تغيب وراء الأفق،
فسحرها هذا المنظر الجميل وعادت لتصفه لشقيقاتها.
وعندما جاء دور العروس الثالثة، التي كانت اشجع اخواتها واجرأهن، خرجت في مصب أحد الأنهار
الكبيرة وسبحت فيه مسافات طويلة تمتع نظرها بالتلال الخضر وكروم العنب والغابات.
أما الأخت الرابعة فآثرت ان تبقى في أعماق البحر، إلا ان
إلحاح اخواتها عليها لمشاهدة ما لم تره جعلها تصعد قليلا إلى السطح لتكتفي برؤية السفن والسماء.
وعندما جاء فصل الشتاء كان من نصيب العروس
الخامسة ان تشاهد جبال الجليد وهي تلمع كالألماس، إلى ان جاء دور العروس
الصغيرة التي كانت تتوق لرؤية سطح البحر والسماء والأرض اليابسة. وما ان
صعدت لتطل برأسها من على السطح، حتى شاهدت سفينة جميلة على متنها عدد من
الركاب يرتدون أزهى الملابس يتوسطهم الأمير الذي شد انتباهها بجماله وذوقه.
وأثناء مراقبتها لما يحدث إذ بعاصفة قوية تضرب أمواج البحر وشراع السفينة فيغرق كل من عليها.
لكنها لمحت الأمير وهو يسقط في أعماق الماء، فهبت لنجدتهوعملت على اخراجه إلى الشاطئ.
وسرعان ما انتبه الناس إلى وجود الأمير ملقى على الأرض، فاختبأت العروس الصغيرة وراء صخرة لتتابع الأحداث،
ثم عادت إلىأعماق البحر وقد تملك حب الأمير قلبها.
وعندما التقت اخواتها لم تخبرهن
باي شيء مما رأت وما حدث، وأصبحت تحاول مرارا رؤية الأمير بالصعود إلى سطح
الماء والنظر إلى قصره المشيد على الشاطئ لكن من دون فائدة، فتوجهت الى جدتها لتسألها عن حال البشر وطول عمرهم
فقالت الجدة: «ان حياة البشر أقصر من حياتنا، فقد نعيش نحن ثلاث مائة عام ونتحول بعدها إلى زبد لان
ارواحنا ليست خالدة. أما بنو الانسان فلهم نفس خالدة تحيا بعد ان تتحول
أجسادهم إلى تراب، وهذه النفس ترقى على أجنحة الهواء إلى السماء.
وعندما
سمعت العروس كلام جدتها سألتها عن الوسيلة التي يمكن بها ان تكتسب نفسا
خالدة، فاجابتها قائلة: «الحل الوحيد هو ان يحبك رجل من الرجال حبا عميقا،
وان تصبحي أعز عليه من أمه وأبيه حتى يتزوجك. حينها تسري روحه إلى جسدك
وتعيشين مع البشر. إلا انهم يعتبرون ذيل السمكة الذي تنتهي به أجسادنا أكره الأشياء وأقبحها».
ولم تجد العروس الجميلة سوى ساحرة البحر
لتساعدها على الوصول الى الأمير فوصفت لها خلطة سحرية، ما ان ترشها على
ذيلها حتى يتحول إلى ساقين كبني البشر، وطلبت منها مقابل هذه الخدمة ان
تأخذ منها صوتها، فوافقت لمجرد ان تكون بقرب الأمير. إلا ان الساحرة
حذرتها من انها ان لم تستطع الاستحواذ على قلب الأمير فسوف تموت وتتحول
إلى مجرد زبد بحر ما ان يتزوج امرأة أخرى، ولن تستطيع العودة إلى أعماق البحر ابدا.
فخرجت العروس سعيدة متوجهة إلى الشاطئ، وصبت الخلطة على
ذيلها لتصبح بساقين جميلتين، واستطاعت بعدها ان تلفت انتباه الأمير الذي
عطف عليها بعد ان اكتشف انها خرساء واخذها إلى القصر لتكون تحت رعايته.
إلا ان حلم العروس لم يكتمل، فقد سمعت أحاديث في القصر حول استعداد الأمير
للزواج بأميرة المملكة المجاورة، فملأ الحزن قلبها وعلمت انها لن تطال مرادها أبدا.
اقيمت في القصر الاحتفالات الخاصة بالزواج، وفي المساء
نفسه أطلت اخواتها وكن قد فقدن شعرهن بعد ان وهبنه للساحرة لتساعدهن على
عودة اختهن، فاعطتهن سكينا على العروس الصغير ان تغرسها في قلب الأمير،
وعندما يتساقط دمه على قدميها سيعود ذيلها وتعود الى أهلها.
تناولت العروس الصغيرة السكين، لكن عندما دخلت غرفة الأمير خانتها اعصابها ولم
تستطع قتله. وما ان طلت خيوط الفجر حتى تحولت إلى زبد بحر، لكنها شعرت
بأشعة الشمس فأدركت انها لم تمت وشاهدت العديد من المخلوقات الشفافة، واذ
بها عند بنات الهواء اللواتي قلن لها انها انتصرت على الشر، وانها اذا
استمرت بعمل الأعمال الصالحة سوف تحصل على نفس خالدة.