الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ...أما بعد :
قال النبي صلى الله عليه وسلم : العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين([1])،وقد أرشد عليه الصلاة والسلام إلى الطريقة المثلى لكف شر العين إذا ما رأى الإنسان ما يعجبه وسنذكر هذه الطريقة بعد أن نذكر أولاً الخطأ الذي وقع فيه أغلب الناس اليوم عندما يرون ما يعجبهم فإنهم يبادرون لقول عبارات منها :
مشاء الله
تبارك الله
لا إله إلا الله
اللهم صلي على محمد
مشاء الله لا قوة إلا بالله
تبارك الرحمن
وكل هذه العبارات لا يصح استعمالها لدفع شر العين فقد روى ابن ماجة عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال : (( مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف ، وهو يغتسل فقال : لم أر كاليوم ، ولا جلد مخبأة([2]) فما لبث أن لبط([3]) به ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له : أدرك سهلا صريعا ، قال " من تتهمون به " قالوا عامر بن ربيعة ، قال : " علام يقتل أحدكم أخاه ، إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه ، فليدع له بالبركة " ثم دعا بماء ، فأمر عامرا أن يتوضأ ، فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، وركبتيه وداخلة إزاره ، وأمره أن يصب عليه)).
قلت:وجه النبي صلى الله عليه وسلم من رأى شيئاً أعجبه إلى أن يدعو له بالبركة قال المناوي:بأن يقول اللهم بارك فيه([4]).اهـ
فإذا تقرر أن الإنسان إذا رأى شيئاً أعجبه دعا له بالبركة يتضح بلا أدنى شك أن ما درج على ألسنة كثير من الناس من الصيغ التي يراد منها كف أذى العين هي صيغ خاطئة لا دليل عليها.
والعبارات التي ذكرنها كلها عبارات ثناء على الله سبحانه لا دعاء بالبركة كما هي السنة؛فعبارة تبارك الله أو تبارك الرحمن هي عبارة ثناء على الله جل جلاله وأما [مشاء الله ] أي ما أراد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها دعاء بالبركة ومثله هذا يقال في كلمة التوحيد و عبارة مشاء الله لا قوة إلا بالله فهي أُخذت من قوله تعالى في سورة الكهف {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ...}فليس فيها أنه يقول هذا كي لا يحسد ويعين جنته إنما لكي يعترف بأن هذه النعمة والخير الذي فيه من الله و أن لا يغتر بنفسه ويظن أنه هو الذي جلب لنفسه هذا الخير ، قال القرطبي:" لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" أي ما اجتمع لك من المال فهو بقدرة الله تعالى وقوته لا بقدرتك وقوتك.اهـ
وإن كانت هذه العبارات هي عبارات مباركات إلا أنه لا يصح إيرادها كدعاء بالبركة للشيء الذي أعجب به الإنسان ويخاف أن يحسده.
وفي الحديث الذي مر معنا الطريقة الشرعية لعلاج العين وذلك بأن يتوضأ العائن فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، وركبتيه وداخلة إزاره ويؤخذ ماء وضوءه هذا ويصبه على المصاب.
قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
وفي حالة وقوعها(أي الإصابة بالعين) تستعمل العلاجات الشرعية وهي :
1- القراءة : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا رقيه إلا من عين أو حمة" .
وقد كان جبريل يرقي النبي ، صلى الله عليه وسلم فيقول: "باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد ، الله يشفيك ، باسم الله أرقيك" .
2- الاستغسال: كما أمر به النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عامر بن ربيعة في الحديث السابق ثم يصب على المصاب.
أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطه فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره ، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه والله أعلم .
و التحرز من العين مقدماً لا باس به ولا ينافي التوكل بل هو التوكل ؛ لأن التوكل الاعتماد على الله -سبحانه - مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وقد كان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يعوذ الحسن والحسين ويقول: "أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة" ويقول : هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام. رواه البخاري.([5])
وبهذا النقل يحصل المقصود من هذا المقال وهو إرشاد المسلمين لاستعمال الصيغة الشرعية عندما يرون ما يعجبهم حتى لا يؤذوا إخوانهم المسلمين وعلى العائن أن يتعاون مع المصاب أو أهله إذا ما طُلِبَ منه الاغتسال .
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
------------------------
([1]) رواه مسلم .
([2]) الجارية في خدرها لم تتزوج بعد.
([3]) أي صُرع وسقط .
([4]) التيسير بشرح الجامع الصغير 1/194 .
([5]) فتاوى أركان الإسلام ص132_133.
عن موقع سحاب