حكم جمع صلاة الجمعة مع صلاة العصر
سائل كريم يسأل صاحب الفضيلة الشيخ: فؤاد بن يوسف أبو سعيد حفظه الله تعالى سؤالا؛ يقول فيه: ما حكم جمع صلاة الجمعة مع صلاة العصر في يوم شبه ماطر؟
فأجاب فضيلته –جزاه الله خيرا-:
الحمد لله؛؛؛
سواء كان مطرٌ يوم الجمعة أو لا يوجد مطر، مادمنا صلينا الجمعة فلا نجمع العصر معها.
ودليل عدم الجمع بين الجمعة والعصر؛ ما ثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَحَطَ المَطَرُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا، فَدَعَا فَمُطِرْنَا، فَمَا كِدْنَا أَنْ نَصِلَ إِلَى مَنَازِلِنَا فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ إِلَى الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ، قَالَ: فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَقَطَّعُ يَمِينًا وَشِمَالاً، يُمْطَرُونَ وَلاَ يُمْطَرُ أَهْلُ المَدِينَةِ. صحيح البخاري (1015)
فدعا وصلى الجمعة والمطر نازل، ولم يجمعوا العصر معها.
وكذلك ثبت عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: (إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ)، قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ، فَقَالَ: (أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا؟! قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ). صحيح البخاري (901) صحيح مسلم (699). ولم يثبت أنه جمع معها العصر هذا ما أراه في هذه المسألة.
والله تعالى أعلم.
وعلى نحو هذا السؤال أجاب الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى فقال في فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (13/ 97):
[العصر تجمع مع الظهر في حق المريض والمسافر؛ جمع تقديم وجمع تأخير، لكن لا تجمع العصر مع الجمعة يوم الجمعة، إذا صلى مع الناس الجمعة لا يصلي معها العصر، يصلي العصر في وقتها. إذا صلى الجمعة مع الناس خارج البلد، وصلى معهم الجمعة وهو مسافر يصلي العصر في وقتها. وأما في غير الجمعة؛ يجمع العصر مع الظهر، لا بأس إذا كان مريضا يشق عليه عدم الجمع، أو مسافرا لا بأس].
وقال أيضا في فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (13/ 102):
[جمع العصر بعد الجمعة لا نعلم له أصلا، لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، وقد نص العلماء على أنه لا يجوز، فالواجب أن يقضي العصر الذي جمعه مع الجمعة، الواجب عليه قضاؤها إذا نبه قبل العصر يقضيها بعد العصر، وإذا نبه بعد ذلك يقضيها؛ لأنه جمعها في غير وقتها، قدمها على وقتها، ولا نعلم لهذا أصلا، قال بعض الشافعية وبعض الناس: (إنه لا بأس)، لكن لا دليل على ذلك، والصواب أن العصر لا تجمع مع الجمعة، وأن من جمعها مع الجمعة فعليه الإعادة، وإن تأخر فيقضيها متى علم أنها تقضى].
والقول بعدم الجمع بينها وبين العصر؛ جعله ابن عثيمين من خصائص الجمعة فقال في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (16/ 16):
[ومن خصائص هذه الصلاة؛ أنه لا يجمع إليها ما بعدها، والذي بعدها هو العصر، فلا تجمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة، فلو أن إنسانا كان مسافراً نازلاً في بلد، ويريد أن يواصل السير بعد صلاة الجمعة، وصلى مع الناس صلاة الجمعة، فإنه لا يضم إليها العصر؛ لأن السنة إنما وردت في الجمع بين الظهر والعصر، وصلاة الجمعة ليست صلاة ظهر بالاتفاق، فلا أحد يقول: (إن صلاة الجمعة صلاة ظهر)، وعلى هذا فنقول: واصل السفر، وإذا دخل وقت العصر وأنت في السفر، فصل حيثما أدركتك الصلاة].
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة - 2 (7/ 44):
[جمع صلاة العصر مع صلاة الجمعة الفتوى رقم (19887)
س: أرفع إلى سماحتكم أن أحد أئمة الجوامع في المنطقة قد جمع بين صلاة العصر وصلاة الجمعة جمع تقديم، حيث كان في يومها مطر أثناء تأدية صلاة الجمعة، ولقد كثر السؤال ممن حضروا مع ذلك الإمام: هل تصح صلاتهم، وهل يلزمهم إعادة صلاة العصر، وهل يرى سماحتكم نفع الله بكم إبلاغ جماعة المسجد في الجمعة القادمة؛ بإعادة صلاة العصر لكونها لم تصح؟ أرجو تفضل سماحتكم بالنظر في ذلك والإفتاء بما ترونه. متعكم الله بالصحة والعافية، وضاعف لكم الأجر والمثوبة، ونفعنا والمسلمين عامة بعلومكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟
ج: ما فعله إمام الجامع المذكور من جمع العصر مع صلاة الجمعة لأجل المطر اجتهاد منه جزاه الله خيرا، وهو خطأ لا أصل له في الشرع، إذ لا يجوز الجمع بين الجمعة والعصر؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم من بعده، ولأن الجمعة ليست من جنس العصر، وعلى ذلك فعلى هذا الإمام والمأمومين الذين جمعوا بين الجمعة والعصر؛ أن يعيدوا صلاة العصر فقط؛ لكونهم صلوها قبل وقتها بغير مسوغ شرعي، =وعليك= إبلاغهم ذلك، والتعميم على أئمة الجوامع بعدم جواز ذلك؛ لئلا يتكرر ذلك فيحصل اللبس عند المأمومين، ويحصل الضرر عليهم في دينهم بأداء الصلاة في غير وقتها، وما يترتب على ذلك من قضائها في غير وقتها، وقد وقع نزول المطر وقت صلاة الجمعة في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي بالناس الجمعة، ولم يجمع بهم عليه الصلاة والسلام].
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد/ عضو ... صالح الفوزان/ عضو ... عبد الله بن غديان/ عضو ... عبد العزيز آل الشيخ/ نائب الرئيس ... والرئيس/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز