من المعلوم، أن ثمة أسبابا كانت وراء الاهتمام بتسطير مدونة حقوق الإنسان الدولية من قبل هيئة الأمم المتحدة خاصة الحروب الكونية الأولى والثانية إلى جانب ظاهرة الاستعمار والاستبداد السياسي والحرب الباردة وغياب النظام الديمقراطي وانعدام العدالة الاجتماعية وتعطيل النهج الديني الإسلامي. وقد استلزمت كل هذه البواعث وضع خطة قانونية وإجرائية ردعية قائمة على المراقبة والتنفيذ والمتابعة الجزائية والمعنوية للحد من ظاهرة الاعتداء على الحق الإنساني.
ولقد كان الإسلام هو السباق إلى التنصيص على حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق الطفل بصفة خاصة، وبعد ذلك ظهرت عدة ثورات إنسانية حقوقية كالثورة الإنجليزية (1689)، والثورة الفرنسية (1989)، والثورة الأمريكية (1776) للإعلان عن حقوق الإنسان كالحرية والأخوة والمساواة. وكان المختبر الحقيقي لهذه الثورات الحقوقية هو "الفلسفة السياسية" كما نجدها عند رواد مدرسة الحق الطبيعي ورواد مدرسة التعاقد الاجتماعي، والنزعة الإنسانية الحديثة وفلسفة الأنوار. فهذه المختبرات النظرية مجتمعة هي التي صيغ فيها المفهوم النظري والفلسفي لحقوق الإنسان، بالانتقال من الحقوق الطبيعية إلى حقوق الإنسان عبر مفهوم عقلاني للتاريخ (الأنوار) ومفهوم تعاقدي بشري للسلطة (نظريات العقد الاجتماعي)(1).
وما بين 1981و1989م، أصدرت إعلانات إسلامية لحقوق الإنسان لتفصيل الحقوق الإسلامية وتنميطها عمليا وتحديدها بدقة وضبط. وبالتالي، يمكن القول: إن الحروب وظاهرة الاستعمار من الأسباب الحقيقية التي دفعت الشعوب للتفكير في مصير الإنسان وتحريره من العبودية والجهل والتخلف وشبح الجوع. لذلك تم التفكير في منظومة حقوق الإنسان سواء أكانت مرجعيتها غربية(الثورة الليبرالية والإنسية) أم إسلامية دينية.
وتنقسم منظومة حقوق الإنسان إلى مواثيق عامة ومواثيق خاصة. وتتمثل المواثيق العامة ذات الشرعية الدولية في:
1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (10 ديسمبر 1948).
2- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966).
3- العهد الدولي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966).
4- البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الخاص بالحقوق المدنية (1966).
أما المواثيق الخاصة فهي مواثيق تتعلق بإنسان معين كالمرأة والطفل والإنسان المسن والمعاق والمتخلف عقليا أو تتعلق بحق محدد مثل: تقرير المصير أو تحريم جميع أشكال الميز العنصري وحق العمل ومنع التعذيب ومنع الرق والسخرة والعبودية والأعراف والممارسات المشابهة ومنع جرائم إبادة الجنس... أو تتعلق بحالة محددة مثل: حقوق الإنسان أثناء النزاعات العسكرية الدولية والأهلية... الخ.
وسنركز في موضوعنا هذا على حقوق الطفل من خلال المواثيق الدولية المعاصرة مع مقارنتها بتلك الحقوق التي أعطاها الإسلام للطفل أو الطفولة.
وقبل الخوض في هذه المقارنة، لابد أن نعرف من هو هذا الطفل الذي نتحدث عنه؟
من الصعوبة بمكان أن نجد تحديدا دقيقا وتعريفا شاملا لمصطلح الطفل. فالمعاجم الفرنسية تعرف الطفل بأنه هو ذلك" الكائن البشري الذي يعيش سن الطفولة"(2). وهذا التعريف أكثر غموضا من مصطلح الطفل نفسه. فهل نقول أثناء التعريف: إن الطفل هو رجل مصغر، أو هل نحدد قسماته وبنيته الفسيولوجية بالمقارنة مع الرجل؟! وعلينا أن ننتبه أيضا بأن المراهقة تختلط بالطفولة أحيانا. فالمراهقة تبدأ حينما تنتهي الطفولة لينتقل المراهق بعد ذلك إلى مرحلة البلوغ والنضج والشباب.
وخروجا من كل التباسات اجتماعية ونفسية وبيداغوجية، تعرف اتفاقية حقوق الطفل في جزئها الأول (المادة الأولى) الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة أو ما لم يبلغ سن الرشد. أي إن الطفل هو الذي مازال في حاجة إلى رعاية ووصاية وغير قادر على تحمل المسؤولية المدنية والاجتماعية بمفرده. أما في الإسلام، فالطفل هو الذي لم يدرك مرحلة التمييز والإدراك العقلي، كما أنه غير خاضع للتكليف والمحاسبة الدينية والمدنية والجنائية.
هذا، وقد ظهرت عدة مواثيق دولية تهتم بحقوق الطفل، وإن كان الإسلام قد سبقها جميعا ـ قرآنا وسنة ـ على تحديدها وإقرارها أمرا وفعلا كما ذكرنا سالفا. ومن المواثيق المعاصرة التي نصت على حقوق الطفل:
1-
إعلان جنيف بحقوق الطفل لعام 1924؛[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]2- إعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة في 20 تشرين (نوفمبر) 1959؛
3- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(10 دجنبر 1948)؛
4- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ولاسيما في المادتين 23و24)؛
5- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ولاسيما في المادة 10)؛
6- النظم السياسية والصكوك ذات الصلة للوكالات المختصة والمنظمات الدولية المعنية بخير الطفل.
وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مقتطفات تشير إلى بعض حقوق الطفولة مثل: ضرورة مساعدة الأطفال ورعايتهم وحمايتهم اجتماعيا سواء أكانوا شرعيين أم غير شرعيين كما هو الشأن في المادة 25 الفقرة الثانية: "للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحياة الاجتماعية سواء أكانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أم بطريقة غير شرعية"(3). وللآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم، لأن من واجب الأطفال أن يتعلموا، ومن حقهم أن يدرسوا ويكتسبوا المعارف قصد التكيف مع الواقع أو فهمه وتغييره. وينبغي أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل مجانا إلزاميا، وأن تكون له الأحقية في المشاركة بمساواة مع الأطفال الآخرين لولوج الجامعة، وأن يستفيد من كل أنواع التعليم الموجود سواء أكان فنيا أم تقنيا أم مهنيا على أسس الكفاءة.
أما عن بنية وتصميم اتفاقية حقوق الطفل وتنظيمها فيمكن إبرازها في المكونات التالية:
1- الديباجة (تحدد أهداف الاتفاقية ومبادئ الميثاق الخاص بحقوق الطفل).
2- الجزء الأول الذي بدوره يتكون من 41 مادة.
3- الجزء الثاني يتكون من 4 مواد (من مادة 42 إلى مادة 45).
4- الجزء الثالث يتكون من 9 مواد (من مادة 46 إلى 54).
وقد ميزت هذه الاتفاقية بين الطفل السوي والطفل المعاق، وخصصت لهذا الأخير بعض المواد التي سنقف عندها فيما بعد:
أ- حقوق الطفل السوي حسب ميثاق اتفاقية حقوق الطفل: