تفسير قوله تعالى :
(
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى )
السؤال: فى سوره العلق آية :
( أرأيت الذى ينهى عبدا إذا صلى ) ، أرجو توضيح الآيه ،
علما بأن الصلاة لم تكن مفروضة حينها .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
قال الله تعالى :
( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى
* أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ
* نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ )
العلق/ 9 – 19
روى مسلم (2797) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ أَبُو جَهْلٍ :
هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ..!
قَالَ فَقِيلَ نَعَمْ فَقَالَ : وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ
وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ . قَالَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي – زَعَمَ -
لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ ، قَالَ فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ قَالَ
فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ ..!
فَقَالَ : إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا )
قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - لَا نَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ شَيْءٌ بَلَغَهُ –
( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ) ... الآيات .
وروى الترمذي (3349) وصححه ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ :
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ :
أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا ..!
فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَبَرَهُ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ :
إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا بِهَا نَادٍ أَكْثَرُ مِنِّي . فَأَنْزَلَ اللَّهُ :
( فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :
فَوَاللَّهِ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ .
قال ابن كثير رحمه الله :
" نزلت في أبي جهل لعنه الله ، توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند
البيت ، فوعظه الله تعالى بالتي هي أحسن أولا فقال :
( أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى ) أي : فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق
المستقيمة في فعله ، أو ( أَمَرَ بِالتَّقْوَى ) بقوله ، وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ؛
ولهذا قال : ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) أي : أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه
ويسمع كلامه ، وسيجازيه على فعله أتم الجزاء ". انتهى من"تفسير ابن كثير" (8 /438)
فقد دلت هذه النصوص على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة أول
الدعوة ، وأن أبا جهل لعنه الله كان يتغيظ عليه في ذلك وينهاه ويتوعده ،
فأنزل الله هذه الآيات .
على أنه ينبغي أن يعلم هنا أن سورة العلق لم تنزل كلها دفعة واحدة ، بل الذي نزل
أولا هو صدر هذه السورة ، حتى قوله تعالى :
( علم الإنسان ما لم يعلم ) ، وأما باقي السورة فإنما نزل متأخرا بعد ذلك .
ففي حديث بدء الوحي عند البخاري (4954) ومسلم (160) :
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما جَاءَهُ الْمَلَكُ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَقَالَ له اقْرَأْ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ ... الحديث ، وفيه :
( فَقَالَ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ : ( عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) لفظ البخاري .
ولفظ مسلم :
( فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ :
( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ
عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
" سورة المدثر هي أول ما نزل من القرآن بعد أول سورة ( اقرأ ) ".
انتهى من"شرح العمدة" (4 /404)
وقال أبو حيان الأندلسي :
" هذه السورة مكية – يعني سورة العلق - وصدرها أول ما نزل من القرآن ، وذلك في غار
حراء على ما ثبت في صحيح البخاري وغيره ". انتهى من"تفسير البحر المحيط" (8 /488) .
ثانيا :
الصلاة كانت مشروعة قبل "الإسراء" ، كما دل على ذلك سورة العلق ، والأحاديث
المذكورة في سبب نزولها ، ودل عليه أيضا سورة المزمل ، وما فيها من وصف قيام
النبي صلى الله عليه وسلم لليل ، هو وطائفة ممن معه من المؤمنين ، وسورة المزمل
من أوائل ما نزل ، ودلت عليه نصوص كثيرة ، ووقائع عديدة في سيرة النبي صلى الله
عليه وسلم .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الْإِسْرَاء يُصَلِّي قَطْعًا ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابه ؛ لَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ
اُفْتُرِضَ قَبْل الْخَمْس شَيْء مِنْ الصَّلَاة أَمْ لَا ..! " انتهى .
وينظر إجابة السؤال رقم : (145725) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]