شرح حديث: إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله -تعالى- طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا .
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ .
ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب. ومطعمه ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذيَ بالحرام، فأنَّى يستجاب له رواه مسلم.
-------------------------
هذا الحديث -أيضا- من الأحاديث التي قيل فيها: إنها أصل من أصول الدين، يعني: أن كثيرا من الأحكام تدور عليها.
وهذا الحديث فيه الأمر بالأكل من الطيب، وأنه سمة المرسلين، وسمة المؤمنين بالمرسلين، وأثر ذلك الأكل الطيب من الحلال على عبادة المرء، وعلى دعائه، وعلى قبول الله -جل وعلا- لعمله، فقَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا .
وقوله: إن الله طيب يعني: أنه -جل وعلا- منزَّه عن النقائص والعيوب، وأنه -جل وعلا- له أنواع الكمالات في القول والفعل، فكلامه -جل وعلا- أطيب الكلام، وأفعاله -جل وعلا- كلها أفعال خير وحكمة، والشر ليس إلى الله جل وعلا.
فالله -سبحانه- طيب بما يرجع إلى ذاته، وإلى أسمائه، وإلى صفاته -جل وعلا- ومن أوجه كونه طيبا أنه -جل وعلا- هو المستحق للعبادة وحده دونما سواه، وهو المستحق لأنْ يسلم المرء وجهه وقلبه إليه -سبحانه- دونما سواه.
ولكونه -جل وعلا- طيبا لا يقبل إلا طيب، فقال -عليه الصلاة والسلام-: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا .
ومعنى قوله: لا يقبل يعني: لا يرضى، ولا يحب إلا الطيب، وأيضا يعني: لا يثيب، ولا يأجر إلا على الطيب؛ فإن كلمة "لا يقبل" هذه -في نظائرها مما جاء في السنة- قد تتوجه إلى إبطال العمل، وقد تتوجه إلى إبطال الثواب، وقد تتوجه إلى إبطال الرضا بالعمل، وهو مستلزِم في الغالب لإبطال الثواب والأجر.
يعني: أن العمل قد يقع مُجْزئًا ولا يكون مقبولا، كما جاء في الحديث: لا يقبل الله صلاة عبد إذا أبق حتى يرجع .
و من أتى كاهنا أو عرافا لم تقبل له صلاة أربعين ليلة وأشباه ذلك.
فتقرر أن كلمة "لا يقبل" هذه تتجه إلى نفي أصل العمل، يعني: إلى إبطاله، كما في قوله: لا يقبل الله صلاة حائض إلا بالخمار .
لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ .
هذه فيه إبطال العمل إلا بهذا الشرط، وقد تتجه إلى إبطال الرضا به، أو الثواب عليه، فهذه ثلاثة أقسام.
هنا إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا تحتمل بحسب العمل، أن يكون المنفي الإجزاء، أو أن يكون المنفي الأجر والثواب، أو أن يكون المنفي الرضا به والمحبة له، يعني: لهذا العبد حين عمل هذا العمل.
فقال: لا يقبل إلا طيبا يعني الذي يوصف بأنه مجزئ، وأنه مرضي عنه عند الله -جل وعلا- وأنه يثاب عليه العبد هو الطيب، وأما غير الطيب فليس كذلك، فقد يكون غير مرضي، أو غير مثاب عليه، وقد يكون غير مجزئ أصلا، بحسب تفاصيل ذلك في الفروع الفقهية.
إذا تقرر هذا فقوله -عليه الصلاة والسلام- هنا: لا يقبل إلا طيبا هذا فيه أن الله -جل وعلا- إنما يقبل الطيب على الحصر.
و"الطيب" جاءت النصوص ببيان أن الطيب يرجع إلى الأقوال، وإلى الأعمال، وإلى الاعتقادات.
فحصل أن الله -جل وعلا- من آثار أنه طيب أنه لا يقبل من الأقوال إلا الطيب، ولا يقبل من الأعمال إلا الطيب، ولا يقبل من الاعتقادات إلا الطيب.
ما هو القول الطيب، والعمل الطيب، والاعتقاد الطيب؟
فسرنا الطيب -أولا- بأنه هو المبرأ من النقائص والعيوب، وكذلك القول والعمل والاعتقاد هو المبرأ من النقص والعيب، يعني: الذي صار بريئا من خلاف الشريعة.
فالطيب هو الذي وُوفِق فيه الشرع، فالقول والطيب هو الذي كان على منهاج الشريعة، والعمل الطيب هو الذي كان على منهاج المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، والاعتقاد الطيب ما كان عليه الدليل من الكتاب ومن السنة.
فهذا هو الطيب من الأقوال والأعمال والاعتقادات.