وفي ثورة الخبز حين رفعت الحكومة
سعره عام 1984م استدعى بورقيبة
سفير تونس في وارسو بولنداعلي زين العابدين،
وعينه مدير عام الأمن الوطني،
ثم وزيرا للداخلية، فرئيسا للوزراء في 1987م؛
لينقلب عليه بعد شهر
وينتزع الحكم منه.
وأذكر آنذاك وفي أول إجراء مخادع للطاغية
بن علي بعد توليه الرئاسة أنه
صار يبث أذان الحرم من مكة في
التلفزة التونسية، فاستبشر به من
لا يعرفه كونه كان بديلا عن الطاغية بورقيبة،
وكنا وقتها طلابا في الكلية،
فبادرنا شيخ جليل قد عركته الحياة، وخبر
أساليب الطغاة، قائلا: لا تغتروا به،
فهو صناعة فرنسية، ولن يكون إلا كسلفه إن
لم يكن أشد منه.. فكان كما قال شيخنا
جزاه الله تعالى عنا خيرا..
ومضى طاغوت تونس في طغيانه واستبداده
ثلاثا وعشرين سنة يحارب الإسلام،
ويكرس الاستبداد، ويخنق شعبه، إلى ما قبل
خمسة أسابيع؛ إذ وقعت حادثة محمد البوعزيزي
الذي أحرق نفسه يوم الجمعة 11محرم؛
تعبيراً عن غضبه على بطالته
ومصادرة العربة التي يبيع عليها شيئا من
الخضار ليسد جوعه وجوع أسرته،
ومن ثم قيام شرطية تونسية بصفعه
أمام الملأ، ولم يجد أحدا ينصفه، وتوفي
يوم الثلاثاء 29 محرم نتيجة الحروق,
فاندلعت في اليوم الذي يليه المظاهرات
التي ما لبثت أن عمت أرجاء تونس لتصبح ثورة
عارمة، ونزل الجيش بأوامر الطاغية ليقمع
الناس ويسفك دماءهم، ولكن الجيش خذله إذ
قلب مهمته إلى حماية المتظاهرين من
أجهزة الأمن الداخلي والأمن الرئاسي،
ليتفاقم الأمر ويهرب الطاغية الجبان بن علي
خارج البلاد أمس الجمعة، ويتولى الوزير
الأول محمد الغنوشي رئاسة الجمهورية
بصفة مؤقتة، وأعلنت حالة الطوارئ مع
حظر التجول التي تمنع أي تجمع يزيد على
ثلاثة أشخاص, مع فرض حظر التجول بين
الخامسة مساءً والسابعة صباحا، إلى
ساعة كتابة هذا المقال..
وفي هذا الحدث من العبر والعظات الشيء الكثير: