"من بدل دينه فاقتلوه"
الســـــؤال :
ما مدى صحة الحديث القائل:(من بدل دينه فاقتلوه) [رواه الإمام البخاري في "صحيحه"
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما] وما معناه وكيف نجمع بينه وبين قوله تعالى:
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة البقرة: آية 256] وبين قوله تعالى:
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}
[سورة يونس: آية 99] وبين الحديث القائل:
(أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإذا فعلوا ذلك
عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل)
وهل يفهم أن اعتناق الدين بالاختيار لا بالإكراه؟
المفتي: صالح بن فوزان الفوزان
الإجابة:
أولاً الحديث (من بدل دينه فاقتلوه) حديث صحيح رواه البخاري وغيره من أهل
السنة بهذا اللفظ: (من بدل دينه فاقتلوه) .
وأما الجمع بينه وبين ما ذكر من الأدلة فلا تعارض بين الأدلة ولله الحمد.
لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) [رواه الإمام البخاري في
"صحيحه" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما] في المرتد الذي يكفر بعد
إسلامه فيجب قتله بعد أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وأما قوله تعالى:
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[سورة البقرة: آية 256]
وقول تعالى:
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ}[ يونس: 99]
فلا تعارض بين هذه الأدلة؛ لأن الدخول في الإسلام لا يمكن الإكراه عليه؛ لأنه
شيء في القلب واقتناع في القلب، ولا يمكن أن نتصرف في القلوب، وأن نجعلها
مؤمنة، هذا بيد الله عز وجل هو مقلب القلوب، وهو الذي يهدي من يشاء،
ويضل من يشاء. لكن واجبنا الدعوة إلى الله عز وجل والبيان والجهاد في سبيل
الله لمن عاند بعد أن عرف الحق، وعاند بعد معرفته، فهذا يجب علينا أن نجاهده،
وأما أننا نكرهه على الدخول في الإسلام، ونجعل الإيمان في قلبه هذا ليس لنا،
وإنما هو راجع إلى الله سبحانه وتعالى لكن نحن، أولاً: ندعو إلى الله عز وجل
بالحكمة والموعظة الحسنة ونبيّن للناس هذا الدين.
وثانيًا: نجاهد أهل العناد وأهل الكفر والجحود حتى يكون الدين لله وحده، عز وجل،
حتى لا تكون فتنة.أما المرتد فهذا يقتل، لأنه كفر بعد إسلامه، وترك الحق بعد
معرفته، فهو عضو فاسد يجب بتره، وإراحة المجتمع منه؛ لأنه فاسد العقيدة
ويخشى أن يفسد عقائد الباقين، لأنه ترك الحق لا عن جهل، وإنما عن عناد بعد
معرفة الحق، فلذلك صار لا يصلح للبقاء فيجب قتله، فلا تعارض بين قوله تعالى:
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة البقرة: آية 256]
وبين قتل المرتد، لأن الإكراه في الدين هنا عند الدخول في الإسلام، وأما قتل المرتد
فهو عند الخروج من الإسلام بعد معرفته وبعد الدخول فيه.
على أن الآية قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة التوبة: آية 5]
فيها أقوال للمفسرين منهم من يقول: إنها خاصة بأهل الكتاب، وأن أهل الكتاب
لا يكرهون، وإنما يطلب منهم الإيمان أو دفع الجزية فيقرون على دينهم إذا دفعوا
الجزية، وخضعوا لحكم الإسلام، وليست عامة في كل كافر، ومن العلماء من يرى
أنها منسوخة بقوله تعالى:
{فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [سورة التوبة: آية 5]
فهي منسوخة بهذه الآية.
ولكن الصحيح أنها ليست منسوخة، وأنها ليست خاصة بأهل الكتاب، وإنما معناها
أن هذا الدين بيِّن واضح تقبله الفطر والعقول، وأن أحدًا لا يدخله عن كراهية،
وإنما يدخله عن اقتناع وعن محبة ورغبة.
هذا هو الصحيح.