إنَّ الحمد لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ ونعـــــــــــــوذُ باللهِ من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهدهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما
فإنَّه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً ...
أهلا وسهلا بكل أعضاء و زوار المنتدى الحديث والسيرة النبوية
تحية عطرة عطرها مسك المحبة والاخاء...
يسرني أن أضع بين أيديكم هذه المادة الطيبة والتي هي بعنوان
رسالة في ( آداب المسجد في الإسلام )
للشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ــ تعالى ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد :
فهذه رسالة لطيفة في آداب المسجد وأحكامه , جمعتُها من الأحاديث النبوية الشريفة , ورتبتها على أبوابٍ , على طريقة المحدثين , وذيلتها ببعض التعليقات المفيدة , من تخريج حديث , أو تفسير غريب , أو بيان مسألة , أو نقل عن أحد من العلماء , جعلها الله خالصةً لوجهه الكريم , نافعةً لعباده إلى يوم الدين .
باب : فضل المسجد
قال الله تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } النور (36)
قال الحافظ ابن كثير : أي: أمر الله تعالى برفعها، أي: بتطهيرها من الدنس واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق فيها . ا.هـ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا ) أخرجه مسلم ( 671 )
باب : من السنة عند دخول المسجد وعند الخروج منه
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : مِنَ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى ، وَإِذَا خَرَجْتَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلِكَ الْيُسْرَى .
أخرجه الحاكم ( 1/218 ) , ومن طريقه البيهقي ( 2/442 ) وقال : تَفَرَّدَ بِهِ شَدَّادُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو طَلْحَةَ الرَّاسِبِىُّ . وَلَيْسَ بِالْقَوِىِّ .
قلت : هو حسن الحديث إن شاء الله ؛ وقد حسَّن حديثه هذا , الشيخُ العلامةُ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله , في ( السلسلة الصحيحة 2478 )
باب : الذِّكْر عند دخول المسجد وعند الخروج منه
عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ الله ُعَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ . وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ ) أخرجه مسلم ( 713 )
وأخرجه أبو داود ( 465 ) , وابن ماجه ( 772 ) والدارمي ( 1366 دار القلم ) بزيادةٍ في أوله : ( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَقُلْ ... ) وهي زيادة صحيحة .
وعَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ لَقِيتُ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ لَهُ : بَلَغَنِي أَنَّكَ حَدَّثْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ : ( أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) قَالَ : أَقَطْ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ . أخرجه أبوداود ( 466 ) بإسناد صحيح .
وقوله : ( أَقَطْ ؟ ) الهمزة للاستفهام وقط بمعنى حسب . والمعنى أن عقبة بن مسلم قال لحيوة بن شُريح : أبلغك عني هذا القدر من الحديث فحسب ؟ قال : نعم .
باب : تحية المسجد ( صلاة ركعتين )
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ ) متفق عليه
وقد ورد تسميةُ هاتين الركعتين بـ ( تحية المسجد ) في حديث ضعيف , أخرجه ابن حبان ( 2/76_79 الرسالة ) من حديث أبي ذر رضي الله عنه . وفيه : قال أبو ذر : دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده , قال : ( يا أبا ذر إن للمسجد تحية وإن تحيته ركعتان فقم فاركعهما ) قال فقمت فركعتهما ثم عدت فجلست إليه ... الحديث , وإسناده ضعيف جداً , كما قال محقق الكتاب .
باب : استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا . ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلِي وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ . قَالَ : الْآنَ حِينَ قَدِمْتَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : فَدَعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ . قَالَ : فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ . متفق عليه , واللفظ لمسلم , وهو مختصر وفيه قصة .
وعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ .
أخرجه مسلم , وأصله في " الصحيحين " من حديث كعب بن مالك , في قصة توبته رضي الله عنه . ففي بعض رواياته المتفق على صحتها قال كعب رضي الله عنه : وكان ( النبي صلى الله عليه وسلم ) إِذا قَدِمَ من سفرٍ بدأ بالمسجد ، فركع فيه ركعتين ، ثم جلس للناسِ .
قال النووي رحمه الله : وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر , لا أنها تحية المسجد , والأحاديث المذكورة صريحة فيما ذكرته . ا.هـ ( شرح صحيح مسلم )
باب : البيع والشراء داخل المسجد
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ , وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا لَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ )
أخرجه الترمذي ( 1321 ) , والدارمي ( 1408 ) , وابن الجارود ( 562 ) , وابن خزيمة ( 1305 ) , وابن حبان ( 1650 ) , والحاكم ( 2/56 ) , والبيهقي ( 2/447 ) , وإسناده صحيح على شرط الإمام مسلم .
قوله : يبتاع : أي يشتري .
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن البيع والاشتراء في المسجد .
أخرجه أبو داود ( 1079 ) , والترمذي ( 322 ) , والنسائي ( 2/47_48 ) , وابن ماجه ( 749 ) , وأحمد ( 11 /569 الرسالة ) واللفظ له , وإسناده حسن .
وفي ( الموطأ 1/174 ) للإمام مالك بلاغاً : أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ ( أحد خيار التابعين ) كَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ , دَعَاهُ فَسَأَلَهُ مَا مَعَكَ ؟ وَمَا تُرِيدُ ؟ فَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَهُ , قَالَ : عَلَيْكَ بِسُوقِ الدُّنْيَا.وَإِنَّمَا هَذَا سُوقُ الْآخِرَةِ .
باب : انشاد الضالة في المسجد
عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّه سمعَ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقولُ : ( مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً في المَسْجِدِ فَلْيَقُلْ : لاَ رَدَّها اللهُ عَلَيْكَ ، فإنَّ المَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهذَا ) . أخرجه مسلم ( 568 )
وعن بُريَدَةَ - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً نَشَدَ في المَسْجِدِ فَقَالَ : مَنْ دَعَا إِلَى الجَمَلِ الأَحْمَرِ ؟ فَقَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ( لا وَجَدْتَ ؛ إنَّمَا بُنِيَتِ المََسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ ) . أخرجه مسلم ( 569 )
باب : انشاد الشِّعْر في المسجد
عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ , فَلَحَظَ إِلَيْهِ . فَقَالَ : قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ . ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ؟ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ . متفق عليه , واللفظ لمسلم .
قلت : في الحديث جواز انشاد الشعر الحسن _ كشعر حسان في نُصْرة الإسلام _ في المسجد , أما الأشعار الرديئة والخبيثة فلا , وقد ترجم الإمام النسائي للحديث المتقدم في ( سننه 2/48 ) بقوله : الرُّخْصَةُ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ الْحَسَنِ فِي الْمَسْجِدِ . وترجم قبله : النَّهْيُ عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ . وأورد فيه حديثاً عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ . وإسناده حسن . وأخرجه أيضاً : أبو داود ( 1079 ) , والترمذي ( 322 ) , وابن ماجه (749 ) , وأحمد ( 11/257 الرسالة ) وله تخريج مع تعليقات مفيدة في حاشية هذا المصدر الأخير .
باب : تنظيف المساجد وتطييبها
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ .
أخرجه أبو داود (455) ، والترمذي (594) ، وابن ماجة (758) , وأحمد (6/279) , وابن خزيمة ( 1292 ) , وابن حبان ( 1634 ) , والبيهقي ( 2/440 ) بإسناد صحيح . وقد أعلَّه الترمذي بالإرسال , ومثله أبو حاتم في ( العلل 481 ) , وهو تعليل ضعيف . فالحديث صحيح مسنداً ومرسلاً .
قال الترمذي : قال سُفْيَانُ - هو ابن عيينة - : قَوْلُهُ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ يَعْنِي الْقَبَائِلَ .
قلت : المراد المحالّ التى تنزل فيها القبائل , وهو ما يُسمى اليوم بـ ( الأحياء ) .
باب : صيانة المسجد من القذر والبول والبصاق
عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ) أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أخرجه مسلم ( 285 )
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا ) متفق عليه .
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنْ الطَّرِيقِ وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ ) أخرجه مسلم ( 553 )
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ أَوْ مُخَاطًا أَوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ . متفق عليه
قال النووي : والمرادُ بِدَفْنِهَا إذَا كَانَ المَسْجِدُ تُرَاباً أوْ رَمْلاً ونَحْوَهُ ، فَيُوَارِيهَا تَحْتَ تُرَابِهِ . قالَ أبُو المحاسِنِ الرُّويَانِي مِنْ أصحابِنا في كِتَابِهِ " البحر " وقِيلَ : المُرَادُ بِدَفْنِهَا إخْراجُهَا مِنَ المَسْجِدِ ، أمَّا إِذَا كَانَ المَسْجِدُ مُبَلَّطاً أَوْ مُجَصَّصاً ، فَدَلَكَهَا عَلَيْهِ بِمَدَاسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثيرٌ مِنَ الجُهَّالِ ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَفْنٍ ، بَلْ زِيَادَةٌ فِي الخَطِيئَةِ وَتَكْثِيرٌ لِلقَذَرِ في المَسْجِدِ ، وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أنْ يَمْسَحَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَوْبِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ غَيرِهِ أَوْ يَغْسِلَهُ . ا.هـ ( رياض الصالحين )
باب : إقامة الحدود في المسجد
قال الإمام أحمد : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيُّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيِّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُسْتَقَادُ فِيهَا )
إسناده ضعيف . العباس بن عبدالرحمن المدني مجهول , وقد وقع للحافظ ابن حجر وهمٌ في هذا الموضع , نبَّه عليه المعلقون على ( المسند 24/344-345 الرسالة )
وللحديث شواهد كلها ضعيفة , أوردها الحافظ أبو محمد ابن حزم في ( المحلى 11/123 ) , وضعَّفها غير أثر عن عمر رضي الله عنه قال عنه : صحيح . ثم ذكر ابن حزم رأياً وسطاً في مسألة إقامة الحدود في المساجد فقال : قد صح: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتطييب المساجد وتنظيفها". وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} فوجب صون المساجد , ورفعها , وتنظيفها - فما كان من إقامة الحدود فيه تقذير للمسجد بالدم : كالقتل , والقطع , فحرام أن يقام شيء من ذلك في المسجد , لأن ذلك ليس تطييبا ; ولا تنظيفا - وكذلك: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز بالبقيع خارج المسجد". وأما ما كان من الحدود جلدا فقط , فإقامته في المسجد جائز , وخارج المسجد أيضا جائز , إلا أن خارج المسجد أحب إلينا , خوفا أن يكون من المجلود بول لضعف طبيعته , أو غير ذلك مما لا يؤمن من المضروب . برهان ذلك : قول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} فلو كان إقامة الحدود بالجلد في المساجد حراما لفصل لنا ذلك مبينا في القرآن على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم . وممن قال بإقامة الحدود بالجلد في المساجد : ابن أبي ليلى , وغيره - وبه نأخذ - وبالله تعالى التوفيق . ا.هـ
باب : رفع الصوت في المسجد
عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
فَقَالَ : اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ . فَجِئْتُهُ بِهِمَا قَالَ : مَنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا ؟ قَالَا : مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ . قَالَ : لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا , تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أخرجه البخاري ( 470 )
قوله : فحصبني . أي : رماني بالحصباء . وهي الحصى الصغار .
وعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ : يَا كَعْبُ فَقَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ قَالَ كَعْبٌ : قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ فَاقْضِهِ . متفق عليه .
قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري 2/219 دار طيبة ) : ساق البخاري في الباب ( باب رفع الصوت في المسجد ) حديثَ عمر الدال على المنع , وحديث كعب الدال على عدمه ؛ إشارةً منه إلى أن المنع فيما لا منفعة فيه , وعدمه فيما تلجئ الضرورة إليه . ا.هـ
باب : النوم في المسجد
قَالَ الإمَامُ البُخَاري : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمِا : أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لَا أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( صحيح البخاري 440 )
قال الحافظ : قوله ( أعزب ) بالمهملة والزاي ؛ أي غير متزوج , والمشهور فيه ( عَزِب ) بفتح العين وكسر الزاي , والأول لغة قليلة مع أن القزاز انكرها . ا.هـ ( فتح الباري 2/177 دار طيبة )
وعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بَيْتَ فَاطِمَةَ، فَلَمْ يَجِدْ علِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي، فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لإِنْسَانٍ: انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَيَقُولُ: قُمْ أَبا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ . متفق عليه .
باب : الاستلقاء في المسجد ومَدِّ الرِّجْل
عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ، وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الاخْرَى . متفق عليه .
قال الإمام البخاري : وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ : كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ .
قال الحافظ ابن حجر : كان ذلك في وقت الاستراحه , لا عند مجتمع الناس ؛ لما عرف من عادته من الجلوس بينهم بالوقار التام صلى الله عليه و سلم . ( فتح الباري 2/223 دار طيبة )
باب : الترغيب في الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة
أخرج الإمام مالك في ( الموطأ 1/160 ) عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه , ما لم يُحْدِثْ . اللهم اغفر له . اللهم ارحمه ) ورواه الجماعة .
قال مالك : لا أرى قوله ( ما لم يحدث ) إلا الإحداث الذي ينقض الوضوء .
قلت : جاء في رواية الترمذي : " فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ : وَمَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ : فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ "
وَعَن سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ) حديث صحيح . أخرجه النسائي ( 2/55_56 ) , وأحمد ( 37/469 الرسالة ) , وأبو يعلى ( 7546 ) , وابن حبان ( 1752 ) .
باب : الترغيب في طلب العلم في المسجد
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُعَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ . أخرجه مسلم ( 2699 )
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ . أخرجه مسلم ( 2701 )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها فقال : يا أهل السوق ما أعجَزَكُم ! قالوا وما ذاك يا أبا هريرة ؟ قال : ذاك ميراث رسول الله يُقسَم وأنتم ها هنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه قالوا وأين هو ؟ قال : في المسجد . فخرجوا سِراعا إلى المسجد ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا فقال لهم ما لكم ؟ قالوا يا أبا هريرة : فقد أتينا المسجد فدخلنا فلم نر فيه شيئا يُقسَم ! فقال لهم أبو هريرة : أما رأيتم في المسجد أحدا ؟ قالوا بلى رأينا قوما يصلون , وقوما يقرأون القرآن , وقوما يتذاكرون الحلال والحرام . فقال لهم أبو هريرة : ويحكم فذاك ميراث محمد .
قال الحافظ المنذري في ( الترغيب والترهيب ) : رواه الطبراني في ( الأوسط ) بإسناد حسن . ووافقه الهيثمي والألباني . ( صحيح الترغيب والترهيب 1/144 )
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من غدا إلى المسجد لا يريد إلا ليتعلم خيرا أو يُعَلِّمَهُ كان له أجر معتمر تامِّ العمرة , فمن راح إلى المسجد لا يريد إلا ليتعلم خيرا أو يُعَلِّمَهُ فله أجر حاجِّ تامِّ الحجة .
أخرجه الحاكم ( 1/91 ) , وصححه على شرط البخاري , ووافقه الذهبي . وأورده الحافظ المنذري في ( الترهيب والترغيب ) وقال : رواه الطبراني في ( الكبير ) بإسناد لا بأس به . وقال الحافظ العراقي في ( تخريج الإحياء ) : إسناده جيد . وصححه الشيخ الألباني في ( صحيح الترغيب والترهيب 1/145 )
وأخرج البيهقي في ( المدخل 140 مكتبة أضواء السلف ) من طريق وكيع ، عن هشام بن عروة قال : رأيت لجابر بن عبد الله حَلْقة في المسجد ، يؤخذ عنه .
وأخرج الإمام مالك في ( الموطأ 1/160_161 ) عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يَقُولُ : مَنْ غَدَا أَوْ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ لِيُعَلِّمَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَجَعَ غَانِمًا .
قال الحافظ ابن عبدالبر : معلوم أن هذا لا يدركه بالرأي والاجتهاد لأنه قطع على غيب من حكم الله وأمره في ثوابه . ( الاستذكار 2/302 )
قلت : ويشهد له حديث أبي صخر حميد بن زياد عن المقبُري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ جَاءَ مَسْجِدِي هَذَا لَمْ يَأْتِهِ إِلَّا لِخَيْرٍ يَتَعَلَّمُهُ أَوْ يُعَلِّمُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ جَاءَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى مَتَاعِ غَيْرِهِ ) أخرجه ابن ماجه ( 227 ) , وأحمد ( 14/257 الرسالة ) , وابن حبان ( 87 ) , والحاكم ( 1/91 ) , إلا أنه معلول , فقد رواه عبيدالله بن عمر عن المقبُري عن عمر بن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث عن كعب الأحبار , قوله .
ورواه ابن عجلان عن المقبُري عن أبي بكر بن عبدالرحمن , عن كعب , قوله .
قال الدارقطني : قول عبيدالله بن عمر أشبه بالصواب . ( العلل للدارقطني , كما في حاشية المسند 14/157 الرسالة )
قلت : ينبغي لأهل العلم والأساتذة وطلبة العلم المتصدرين للتدريس والإفادة أن يُعيدوا للمسجد مكانته في نشر العلم وإقامة الدروس وتخريج الطلبة ؛ فما رأينا مكاناً أكثر بركةً من المسجد .
باب : النهي عن اتخاذ القبور مساجد
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عِنْها : أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهما - ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ , فِيهَا تَصَاوِيرُ, لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أُولَئِكِ إِذَا كَانَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكِ الصُّوَرَ. أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) متفق عليه .
فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين : فتنة القبور , وفتنة التماثيل .
وما دخل الشرك على قوم نوح عليه الصلاة والسلام إلا من هاتين الفتنتين ؛ كما قال تعالى عن قوم نوح : { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } نوح (23)
قال الإمام ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) : قال غير واحد من السلف : كان هؤلاء قوما صالحين في قوم نوح عليه السلام فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين : فتنة القبور وفتنة التماثيل وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله في الحديث المتفق على صحته عن عائشة رضي الله عنها . ( ثم ذكر الحديث السابق )
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ : ( لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ) قَالَتْ : فَلَوْلَا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا . متفق عليه .
قلت : وفيه بيانُ علةِ كونِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يدفن في المقابر العامة .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ) متفق عليه . وفي لفظ لمسلم ( 530 ) : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ )
وَعَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَا : لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ : ( لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ) . يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا . متفق عليه .
قلت : وفيه فَهْمُ الصحابة مرادَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من لعن اليهود والنصارى وهو في سياق الموت .
وَعَنْ جُنْدَبِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ : ( إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ ) . أخرجه مسلم ( 532 )
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : فقد نهى عنه ( أي : عن اتخاذ القبور مساجد ) في آخر حياته ، ثم إنه لعن - وهو في السياق - من فعله . والصلاةُ عندها من ذلك، وإن لم يُبْنَ مسجد، وهو معنى قولها ( أي : عائشة رضي الله عنها ) : خَشي أن يُتخذ مسجداً . فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجداً ، وكل موضع قُصدت الصلاةُ فيه فقد اتخذ مسجداً، بل كل موضع يُصلى فيه يُسمى مسجداً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (جُعلتْ لي الأرضُ مسجداً وطهوراً) . انتهى . ( كتاب التوحيد _ الباب 19 )
قلت : وفي كلام الشيخ رحمه ردٌّ على بعض الخرافيين , الذين يحملون هذه الأحاديث على معنى السجود لها (!)
باب : ما تُشَدُّ إليه الرِّحَال من المساجد
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) متفق عليه . واللفظ لأبي داود ( 2033 )
قال العلامة السندي : شدُّ الرِّحَال كناية عن السفر . والمعنى : لا ينبغي ( بل : لا يجوز ) شدُّ الرِّحَال والسفر من بين المساجد إلا إلى ثلاثة مساجد , وأما السفر للعلم , وزيارة العلماء والصلحاء , وللتجارة , ونحو ذلك ؛ فغير داخل في حيز المنع , وكذا زيارة المساجد الأُخَر بلا سفر ؛ كزيارة مسجد قُباء لأهل المدينة غير داخل في حيز النهي . انتهى ( حاشية السندي على سنن النسائي 2/37-38 )
قلت : فإذا كان السفرُ لزيارة مسجدٍ - غير هذه المساجد الثلاثة - حراماً في الإسلام ؛ فإن السفر لزيارة المشاهد والأضرحة أشدُّ حُرْمَةً وإثماً . ويدخل في النهي والتحريم السفرُ إلى المدينة بنية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم , كما يفعله بعض الجهله . بل يجب أن تكون النية - حينئذٍ - لزيارة المسجد النبوي , وليس القبر ؛ فالدينُ قائمٌ على الإتباع , وليس على الظن وما تهوى الأنفس .
باب : زخرفة المسجد وتشييده
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما قَالَ : قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ )
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى . أخرجه أبو داود ( 448 ) بإسناد صحيح .
تَشْييدُ البناء : إِحكامُه ورَفْعُه . ( لسان العرب )
قال الشوكاني : والحديث يدل على أن تشييد المساجد بدعة . ا.هـ ( نيل الأوطار )
قلت : ومن التشييد المذموم بناء القباب على سُقُف المساجد . وهي البدعة التى أدخلها عُبَّاد القبور على بيوت الله . وكثير من الناس يظنها طرازاً إسلامياً (!)
باب : مَنْ يُمْنَعُ مِن دخول المسجد
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ : ( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا ) متفق عليه .
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ ) متفق عليه . وفي لفظ عند مسلم ( 564 ) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ و قَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ )
وَعَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه سُئِلَ عَنْ الثُّومِ , فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّا وَلَا يُصَلِّي مَعَنَا ) متفق عليه .
قال الخطابي رحمه الله : إنما أمره باعتزال المسجد عقوبةً له , وليس هذا من باب الأعذار التي تُبيح للمرء التخلف عن الجماعة كالمطر , والريح العاصف , ونحوهما من الأمور . انتهى ( معالم السنن بحاشية سنن أبي داود 4/170 )
قلت : الأمور بمقاصدها ؛ فمن قصد بأكل الثوم والبصل التخلفَ عن صلاة الجماعة حَرُمَ عليه ذلك .
باب : مَنْ يُخْرَجُ مِنْ المسجد
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنَّه خَطَبَ يومَ الجمْعَةِ فَقَالَ في خطبته : ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ ؛ هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ . لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا . أخرجه مسلم ( 567 )
قال العلامة السندي : ( فَأُخْرِجَ ) أي تأديباً له على ما فعل من الدخول في المسجد مع الرائحة الكريهة . انتهى ( حاشية السندي على سنن النسائي 2/43-44 )
باب : إدخال الصبيان المسجد
عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ : بَيْنَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ جُلُوسٌ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَأُمُّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ صَبِيَّةٌ يَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ عَلَى عَاتِقِهِ يَضَعُهَا إِذَا رَكَعَ وَيُعِيدُهَا إِذَا قَامَ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا . متفق عليه . واللفظ لأبي داود في " سننه " ( 918 )
تنبيه : حديث ( جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَاتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ ) أخرجه ابن ماجه ( 750 ) بإسناد ضعيف جداً . وله طُرُقٌ أخرى كلُها واهية . ( التلخيص الحبير 6/3179 أضواء السلف )
باب : اتخاذ البِيع مساجد
عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : خَرَجْنَا وَفْدًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّ بِأَرْضِنَا بِيعَةً لَنَا فَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَتَمَضْمَضَ ثُمَّ صَبَّهُ فِي إِدَاوَةٍ وَأَمَرَنَا فَقَالَ : ( اخْرُجُوا فَإِذَا أَتَيْتُمْ أَرْضَكُمْ فَاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ وَانْضَحُوا مَكَانَهَا بِهَذَا الْمَاءِ وَاتَّخِذُوهَا مَسْجِدًا ) قُلْنَا : إِنَّ الْبَلَدَ بَعِيدٌ وَالْحَرَّ شَدِيدٌ وَالْمَاءَ يَنْشُفُ فَقَالَ : ( مُدُّوهُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا طِيبًا ) فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا بَلَدَنَا فَكَسَرْنَا بِيعَتَنَا ثُمَّ نَضَحْنَا مَكَانَهَا وَاتَّخَذْنَاهَا مَسْجِدًا فَنَادَيْنَا فِيهِ بِالْأَذَانِ . قَالَ : وَالرَّاهِبُ رَجُلٌ مِنْ طَيِّئٍ . فَلَمَّا سَمِعَ الْأَذَانَ قَالَ : دَعْوَةُ حَقٍّ . ثُمَّ اسْتَقْبَلَ تَلْعَةً مِنْ تِلَاعِنَا فَلَمْ نَرَهُ بَعْدُ .
أخرجه النسائي ( 2/38-39 ) , وابن حبان ( 1123 ) , والطبراني في " الكبير " ( 8241 ) , وإسناده صحيح .
قال النسائي في تبويبه للحديث : اتِّخَاذُ الْبِيَعِ مَسَاجِدَ .
وقال ابن حبان في تبويبه : ذِكْرُ الإخبار عن جواز اتخاذ المسجد للمسلمين في موضع الكنائس والبِيَعِ .
قلت : البِيعة - بكسر الباء - هي معبد النصارى .
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاضٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ الطَّائِفِ حَيْثُ كَانَ طَوَاغِيتُهُمْ .
أخرجه أبو داود ( 450 ) , وابن ماجه ( 743 ) , والحاكم ( 3/618 ) , والبغوي ( 476 ) , وفي سنده ضعف , محمد بن عبدالله بن عياض لم يُوثقه غير ابن حبان .
باب : المباهاة في المساجد
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ )
أخرجه أبو داود ( 449 ) , والنسائي ( 2/32 ) واللفظ له , وابن ماجه ( 739 ) , والدارمى (1/383 ) , وأحمد ( 19/372 الرسالة ) , وأبو يعلى ( 2798 ) , وابن خزيمة ( 1322 ) , وابن حبان ( 1614 ) , والطبراني في " الكبير " ( 752 ) , والبيهقي (2/439 ) , والبغوي ( 465 ) , وإسنادُهُ صحيحٌ على شرط مسلم .
وفي رواية بإسناد لا بأس به عند أبي يعلى ( 5/199 ) , وابن خزيمة ( 2/281 ) , والبغوي ( 2/351 ) , قَالَ أَبُو قِلابَةَ : غَدَوْنَا مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَى الزَّاوِيَةِ ، فَحَضَرَتْ صَلاةُ الصُّبْحِ ، فَمَرَرْنَا بِمَسْجِدٍ ، فَقَالَ أَنَسٌ : لَوْ صَلَّيْنَا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : حَتَّى نَأْتِيَ الْمَسْجِدَ الآخَرَ ، فَقَالَ أَنَسٌ : أَيُّ مَسْجِدٍ ؟ قَالُوا : مَسْجِدٌ أُحْدِثَ الآنَ ، فَقَالَ أَنَسٌ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( سَيَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ يَتَبَاهَوْنَ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَلا يَعْمُرُونَهَا إِلا قَلِيلا ) .
قال ابن خزيمة : الزاوية قصر من البصرة على شبه من فرسخين .
قال العلامة السندي في " حاشية سنن النسائي " : قوله ( من أشراط الساعة ) أي علامات قربها ( أن يتباهى ) يتفاخر ( في المساجد ) في بنائها . وهذا الحديث مما يشهد بصدقه الوجود فهو من جملة المعجزات الباهرة له صلى الله عليه و سلم . انتهى
باب : النهي عن منع النساء من إتيانهن المساجد
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ ) متفق عليه .
وفي رواية متفق عليها : قَالَ : ( إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا )
وفي رواية عند البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَتْ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهَا : لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ ؟ قَالَتْ : وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي ؟ قَالَ : يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ )
قال العلامة السندي في " حاشية سنن النسائي " : قوله ( فلا يمنعها ) : الحديثُ مقيدٌ بما عُلم من الأحاديث الاخر من عدم استعمال طيبٍ وزينةٍ فينبغي أن لا يأذن لها إلا إذا خرجتْ على الوجه الجائز , وينبغي للمرأة أن لا تخرج بذلك الوجه للصلاة في المسجد الا على قلة لما عُلم أن صلاتها في البيت أفضل . نعم , إذا أرادت الخروج بذلك الوجه فينبغي أن لا يمنعها الزوج . وقولُ الفقهاء بالمنع مبني على النظر في حال الزمان , لكن المقصود يحصل بما ذكرنا من التقييد المعلوم من الأحاديث فلا حاجة إلى القول بالمنع والله تعالى أعلم . انتهى
قلت : أخرج الشيخان من حديث يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ : لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ . قَالَ : فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ : أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . متفق عليه واللفظ لمسلم
قال النووي رحمه الله : قولها ( لو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد ) يعنى من الزينة والطيب وحسن الثياب والله أعلم .
قلت : هذا في زمانها رضي الله عنها , وقد توفيت في خلافة معاوية رضي الله عنه , سنة ( 57 ) أو ( 58 ) , فماذا يقال فيما تلى من العصور والأجيال ؟
باب : تخصيص مدخل للنساء إلى المسجد
عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ ) .قَالَ نَافِعٌ : فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ .
أخرجه أبو داود (462 ) من طريق عبدالوارث بن سعيد عن أيوب عن نافع به مرفوعاً . ( وقال ) : قَالَ غَيْرُ عَبْدِ الْوَارِثِ : قَالَ عُمَرُ . وَهُوَ أَصَحُّ , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ أَصَحُّ .
قال صاحب " عون المعبود " : الحديث اختلف فيه على أيوب السختياني فجعلــه عبدُ الوارث مرفوعا من مسند بن عمر , وجعله إسماعيل موقوفا على عمر رضي الله عنه وكذلك بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث عن بكير عن نافع موقوفا على عمر رضي الله عنه . والأشبه أن يكون الحديث مرفوعا وموقوفا . وعبدالوارث ثقة تقبل زيادته . انتهى , ووافقه الشيخ الألباني رحمه الله , فصحَّح الحديث مرفوعاً , وأعلَّ الرواية الموقوفة بالانقطاع بين نافع وعمر رضي الله عنه . ( صحيح سنن أبي داود - الأصل - 2/360-361 )
قلت : الأشبه أن الحديث موقوف على عمر رضي الله عنه , كما قال أبو داود رحمه الله ؛ فإن رواة الرواية الموقوفة أكثر وأحفظ وأوثق . ثم إن الرواية الموقوفة متصلة الإسناد فيما يظهر , فهي رواية ثابتة ؛ إذ الظاهر أن نافعاً سمع هذا الحديث من ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ لقوله : فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ .
باب : الخروج من المسجد بعد الأذان
عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ :كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أخرجه مسلم ( 655 ) .
و أخرجه الترمذي ( 204 ) ثم قال : وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ . وَيُرْوَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَخْرُجُ مَا لَمْ يَأْخُذْ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ . قَالَ أَبُو عِيسَى : وَهَذَا عِنْدَنَا لِمَنْ لَهُ عُذْرٌ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ .