مسلمة جديدة تسأل عن إشكالات حصلت لها في زواجها .
السؤال: لا أدري إن كان زواجي صحيحاً أم لا، لأنه مر بالخطوات التالية: في البداية أُجري العقد باللغة الانجليزية ولم يكن الشاهدان ممن يفقهون هذه اللغة، وقد كنت توقفت عن الاستمرار في كتابة العقد ولكنهم أخبروني أن أحد الشاهدين إمام مسجد والأخر حافظ للقرآن، وأن عدم تحدثهم للغة الإنجليزية لا يجرح في صحة العقد. الأمر الثاني أنني لم أُعط مهراً، ولم أوافق على التأخير أيضاً. الشيء الثالث، أن حفل العرس لم يجر بالشكل الصحيح. ثم في ليلة العرس اكتشفت أن زوجي يعاني من مشاكل في القذف، بمعنى أن فرصة الإنجاب منه معدومة، وأن نسبة الإشباع الجنسي قليلة. ثم بعد زواجنا بيومين ذهب مع جماعة التبليغ لمدة أربعين وأخذ معه بعض المال.. أي زوج هذا الذي يترك عروسه في اليوم الثالث؟! بالنسبة لي لا أظن أن مثل هذا الرجل سيكون قادراً على بناء أسرة والاعتناء بها... وكيف يسوّغ لنفسه الخروج وأخذ المال معه ولم يدفع مهري بعد؟! أرجو المساعدة لأنني مسلمة جديدة ولا أدري ما الذي يجب عليّ أن أفعل. ملاحظة: من تولى تزويجي هو نفسه من كتب العقد وهو في الأساس أحد أصدقاء زوجي. فأنا كما أسلفت مسلمة جديدة وليس هناك أي شخص مسلم من عائلتي ولا أدري ماذا أفعل.
الجواب :
الحمد لله
أولا :
نسأل الله أن يثبتك على دينه ويسددك ويلهمك رشدك .
ونشاركك الفرحة بالإسلام ، والخروج من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) يونس/ 58
ثانيا :
الإشهاد في النكاح شرط في صحته ، والإعلان يغني عن الإشهاد ؛ لأنه في معناه وزيادة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فالذي لا ريب فيه أن النكاح مع الإعلان يصح وإن لم يشهد شاهدان " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32 /130) .
وينظر جواب السؤال رقم : (112112) .
ثالثا :
يصح عقد النكاح بغير اللغة العربية ، ولكن يشترط في الشهود العلم بتلك اللغة ، لأن الشاهد سيشهد على ما سمعه ، فإذا كان لم يفهم شيئاً لم تصح شهادته .
ولكن يغني عن شهادتهم إعلان النكاح كما سبق ، فإن كان النكاح قد أعلن ، وتم إشهاره بين طائفة من المسلمين ، فالنكاح صحيح .
رابعاً :
إذا تم عقد النكاح دون ذكر المهر فالعقد صحيح ، وللمرأة حينئذ مهر مثلها من النساء .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (39/151) : " الْمَهْرُ وَاجِبٌ فِي كُل نِكَاح ،ٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَأُحِل لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ 4) فَقَدْ قُيِّدَ الإْحْلاَل بِهِ ؛ إِلاَّ أَنَّ ذِكْرَ الْمَهْرِ فِي الْعَقْدِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ فَيَجُوزُ إِخْلاَءُ النِّكَاحِ عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ " انتهى .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" ذكر المهر في النكاح ليس ركنا من أركانه ، فلو عقد على المرأة بدون ذكر المهر صح العقد ، ووجب لها مهر المثل ، ولا حد لأقله ، بل كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون مهرا على الصحيح من أقوال العلماء " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19 /53) .
خامساً :
لا يصح نكاح المرأة بدون ولي ؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ )
رواه أبو داود (2085) وغيره ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
فإذا عُدم الولي أو كان غير أهل للولاية عليها تولى نكاحها السلطان أو من ينوب عنه ، فإذا عدم أيضا زوّجها رئيس المركز الإسلامي أو إمام المسجد أو عالم من العلماء ، فإن لم يوجد أحد من هؤلاء زوجها مسلم عدل بإذنها .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مُسْلِمَةٍ بِحَالٍ , بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ " انتهى .
"المغني" (7/21) .
وقال أيضا : " فإن لم يوجد للمرأة ولي ولا سلطان فعن أحمد ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل بإذنها " . انتهى من "المغني" (7/14) .
وقال شيخ الإسلام : " وَأَمَّا مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا ، فَإِنْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ أَوْ الْمَحَلَّةِ نَائِبُ حَاكِمٍ زَوَّجَهَا هُوَ وَأَمِيرُ الْأَعْرَابِ وَرَئِيسُ الْقَرْيَة . وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ إمَامٌ مُطَاعٌ زَوَّجَهَا أَيْضًا بِإِذْنِهَا " انتهى من
"الفتاوى الكبرى" (3 /175) .
وقال أيضا :
"وَإِذَا تَعَذَّرَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى أَصْلَحِ مَنْ يُوجَدُ مِمَّنْ لَهُ نَوْعُ وِلَايَةٍ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ كَرَئِيسِ الْقَرْيَةِ وَأَمِيرِ الْقَافِلَةِ وَنَحْوِهِ " انتهى .
الفتاوى الكبرى (5 /451) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" إذا لم يكن للمرأة ولي مسلم قريب أو بعيد فإن رئيس المركز الإسلامي لديكم يتولى عقد النكاح ؛ لأنه بمثابة الوالي بالنسبة لأمثال هؤلاء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (السلطان ولي من لا ولي له) ، ورئيس المركز ذو سلطان في محله ، لعدم وجود القضاة المسلمين في محله " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3 /387) .
والذي يظهر أن نكاحك صحيح ، لأن هذا الرجل الذي عقد لك تكون له ولاية عقد النكاح إذا لم يكن لك ولي .
وكان من الأفضل أن يتولى العقد رئيس المركز الإسلامي في مدينتكم .
وللمزيد يراجع جواب السؤال رقم : (48992) .
سادساً :
جماعة التبليغ هي إحدى الجماعات الإسلامية التي لها نشاطها البارز في الساحة الإسلامية ، ولها جهدها المبذول المشكور في الدعوة إلى الله ، ولكن عليها ملاحظات عقائدية وفكرية وعلمية ، يراجع لذلك إجابات الأسئلة رقم : ( 8674 ) ، ( 39349 ) (47431) .
وخروج الزوج معهم وتركك أول أيام زواجك مما لا ينبغي فعله .
ولكن ... ينبغي إحسان الظن به ، فخروجه معهم بعد يومين من الزواج ، يدل على أن الرجل له همه في الدعوة إلى الله .
سابعاً:
حفل العرس ليس شرطا في صحة النكاح ، فسواء جرى بشكل صحيح أو غير ذلك ، فلا يؤثر في صحة العقد ، إلا أنه يجب أن يكون خاليا من تلك المنكرات المعهودة في حفلات الأعراس كالغناء الفاحش والموسيقى والاختلاط والتبرج ونحو ذلك .
ثامنا :
كون زوجك يعاني من مشاكل في القذف ، أو كان احتمال الإنجاب منه ضعيفا ، وأن نسبة الإشباع الجنسي قليلة : فعلاج مثل هذه المشاكل ممكن بعرض نفسه على طبيب مختص .
وننصحك بالصبر والروية والحكمة في اتخاذ القرار ، وأنت في ظروف قد لا يتناسب معها بحال التفكير في الانفصال عنه ، ولو أمكن توسيط إمام المسجد الذي شهد على نكاحك ، أو غيره من المسلمين الثقات المعروفين بالعلم ليرشد زوجك إلى ما يجب عليه من حسن العشرة ومراعاة حقوق بيته ؛ لكان أمراً حسناً.
ونسأل الله تعالى أن يجمع بينكما في خير، وأن يصلح ذات بينكما .
والله أعلم .