عيد الأم.. نظرة شرعية
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقوع متابعة أمته للأمم السابقة من اليهود والنصارى كما جاء في الحديث الشريف، فعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن سَنن من قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ، حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ وفي الأيام القادمة يحتفل المسلمون بما يسمى عيد الأم وهو كذلك من اتباعهم ومشابهتهم. ومن العجيب أن نحتاج نحن المسلمين لمثل هذه المناسبة وقد أوجب الله تعالى علينا بر الوالدين وحرَّم علينا عقوقهما وجعل الجزاء على ذلك من أرفع الدرجات ولقد خص الأم بالبر لما لها من فضل عظيم على الأبناء ولما تلاقيه من متاعب وآلام في كل مراحل حياتنا سواء الحمل أو الولادة أو الطفولة قال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا }، ولقد جاءت الوصية بحق الأم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي؟ قال:» أمك«. قال: ثم من؟ قال: »أمك«. قال: ثم من؟ قال »أمك«. قال: ثم من؟ قال: »أبوك« وفي حديث آخر (ألزم رجلها فثم الجنة).
تعريف العيد
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد، عائد: إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك) اقتضاء الصراط المستقيم.
وقال ابن عابدين رحمه الله: (سُمي العيد بهذا الاسم، لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان، أي: أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل يوم، منها: الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي، وغير ذلك، ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور).
كم عيدا في الإسلام؟
لقد كثرت الأعياد عندنا في هذه الأزمنة وتعددت وأصبحت تحمل مسميات عدة منها (عيد الشجرة وعيد العمال وعيد الجلوس وعيد الميلاد …الخ وهكذا في قائمة طويلة، وكل هذا من اتباع اليهود والنصارى والمشركين، ولا أصل لهذا في الدين، وليس في الإسلام إلا عيد الأضحى وعيد الفطر، عن أنس بن مالك قال: كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر، ويوم الأضحى رواه أبو داد والنسائي، وصححه الشيخ الألباني.
مكانة الأم في الإسلام
قال الله تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } وقال تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر: قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، قال: وكان ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى { ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين }، فسوَّى بينهما في الوصاية، وخص الأم بالأمور الثلاثة، قال القرطبي:المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر، وتقدَّم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة، وقال عياض: وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب. بل وحتى الأم المشركة فإن الشرع المطهر الحكيم رغَّب بوصلها فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمتْ عليَّ أمِّي وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم صِلِي أمَّك.
لماذا وضعوا هذه المناسبة؟
إن المتتبع لأحوال الأسرة عموما وللأم خاصة في المجتمعات غير »إسلامية ليسمع ويقرأ عجباً، فلا تكاد تجد أسرة متكاملة يصل أفرادها بعضهم بعضاً فعند سن معينة يحق للأبناء الانفصال والإقامة بعيداً عن الأسرة وليس للأسرة الحق في المراقبة ولا المتابعة وهذا ما يسمونه بالحرية الشخصية.
وعندما يصير الأب أو الأم في حالة الكِبَر يسارع البار! بهما إلى وضعهما في دور العجزة والمسنِّين، وتكون غاية أمنياتهم الموت!! وما ذلك إلا بسبب ما يعيشه الواحد منهم من قهر وحزن وأسى على الحال التي وصل الواحد منهم إليها وتخلى عنهم فلذات أكبادهم في وقت أحوج ما يكون الواحد إليهم فلذلك هم بحاجة إلى وضع مثل هذه المناسبات.
بدعة عيد الأم، نبذة تاريخية
بدأت فكرة الاحتفال بعيد الأم العربي في مصر على يد الأخوين »مصطفى وعلي أمين« مؤسسي دار أخبار اليوم الصحفية.. فقد وردت إلى علي أمين ذاته رسالة من أم تشكو له جفاء أولادها وسوء معاملتهم لها، وتتألم من نكرانهم للجميل.. وتصادف أن زارت إحدى الأمهات مصطفى أمين في مكتبه.. وحكت له قصتها التي تتلخص في أنها ترمَّلت وأولادها صغار، فلم تتزوج، وأوقفت حياتها على أولادها، تقوم بدور الأب والأم، وظلت ترعى أولادها بكل طاقتها، حتى تخرجوا في الجامعة، وتزوجوا، واستقل كل منهم بحياته، ولم يعودوا يزورونها إلا على فترات متباعدة للغاية، فكتب مصطفى أمين وعلي أمين في عمودهما »فكرة« يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة تذكرة بفضلها، وأشارا إلى أن الغرب يفعلون ذلك، وإلى أن الإسلام يحض على الاهتمام بالأم، فانهالت الخطابات عليهما تشجع الفكرة، واقترح البعض أن يخصص أسبوع للأم وليس مجرد يوم واحد، ورفض آخرون الفكرة بحجة أن كل أيام السنة للأم وليس يومًا واحدًا فقط، لكن أغلبية القراء وافقوا على فكرة تخصيص يوم واحد، وشارك القراء في اختيار يوم 21 مارس ليكون عيدًا للأم، وهو أول أيام فصل الربيع؛ ليكون رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة.. واحتفلت مصر بأول عيد أم في 21 مارس سنة 1956م.. ومن مصر خرجت الفكرة إلى البلاد العربية الأخرى.. وقد اقترح البعض في وقت من الأوقات تسمية عيد الأم بعيد الأسرة ليكون تكريمًا للأب أيضًا، لكن هذه الفكرة لم تلق قبولاً كبيرًا، واعتبر الناس ذلك انتقاصًا من حق الأم، أو أن أصحاب فكرة عيد الأسرة»يستكثرون» على الأم يومًا يُخصص لها.. وحتى الآن تحتفل البلاد العربية بهذا اليوم من خلال أجهزة الإعلام المختلفة...
* تعليق السلام: (الحمد لله الذي جعل لأهل الإسلام أيام أعمارهم وسنوات دهرهم كلها براً وإحسانا للوالدين والأسرة والأرحام والجيران والتخلق مع العالمين بخلق حسن).
تفنن في بر والديك
الإسلام غني عما ابتدعه الآخرون سواءً عيد الأم أو غيره، وفي تشريعاته من البر بالوالدين ما يغني عن عيد الأم المبتدع
ولا يفوتنا ونحن نتناول هذا الموضوع أن نتطرق لبعض النصائح التي تؤدي للتفنن في برهما والإحسان إليهما ومن هذه الأمور.
السلام عليهما.
تقبيلهما على الرأٍس واليدين والرجلين.
سمهما بأحب الأسماء إليهما.
ضم الوالدين بلطف.
إهدِاء الوالدين في أي وقت دون تخصيص يوم كما هو في بدعة (عيد الأم) أو (عيد الأسرة).
أكثر من الجلوس معهما ما استطعت وتحدث معهما واستمع لكلامهما بإنصات وتفاعل معهما.
أدعوهما لطعام في بيتك أو بيتهم أو خارج المنزل.
أخرج بهما فسحة ونزهة بين الفينة والأخرى.
سافر بهما في رحلة طاعة أو سياحة.
إقضِ حوائجهما.
تحسس أمورهما وتعرف عليها لتقضيها سرا أو علانية.
تأدب في الحديث معهما واستخدم أرق العبارات وألينها مع خفض الصوت عندهما.
راعِ مشاعرهما دائما في أمورك.
استأذنهما قبل سفرك واطلب دعاءهما لك.
طاعتهما بمعروف من غير معصية الله.
تذلل لهما.
وسع لهما المجلس وامش معهما بالأدب المعروف.
قدمهما بالأكل قبلك.
ساعدهما على أعمالهما مهما كانت بسيطة.
عوّد زوجتك وأبناءك على بر والديك.
استأذن عليهما إذا دخلت عليهما.
أدخل السرور على قلبيهما بكل الطرق المرضية.
أدع الله لهما واستغفر لهما في حياتهما وبعد مماتهما.
برهما حتى بعد موتهما بالاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وبصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وبإكرام صديقهما
وفي الختام
علينا جميعاً أن نتذكر أنه ليس في الإسلام إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، وما عداهما فهو بدعة وتقليد لغير المسلمين، فيجب علينا أن ننتبه لذلك ولا نغتر بكثرة من يفعل هذه البدع ممن ينتسب إلى الإسلام وهو يجهل حقيقة الإسلام، فيقع في هذه الأمور عن جهل، أو لا يجهل حقيقة الإسلام ولكنه يتعمد هذه الأمور، فالمصيبة حينئذ تكون أشد
{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً }.
عن موقع الشيخين بن الباز و الالباني