تزوجها بعقد غير موثق بمحكمة وأفشت سرَّ زواجها لنسائه فطلقها وطلب إجهاض الجنين!
السؤال : أنا متزوجة من إنسان متدين ، ملتزم ، تزوجني سرّاً عن أهله لأنه متعدد الزوجات ، تنازلت عن حقوق كثيرة احتراماً لرغبته بالحفاظ على السر ، فصرت أجد صعوبة في الاتصال به ، وأنا في مدة سنة زواج لم أره إلا 24 يوماً ، وأخيراً قررت إخبار زوجاته ، وأهله ؛ لعلهم يتعاطفون ، ويتعاونون ، فحدثت الفاجعة ، وأنا حامل في الشهر السادس إذ طلقني زوجي في رسالة عبر الهاتف ، ولم أجد آذاناً صاغيةً للحق ، بل أكثر من هذا : طلب مني زوجي إسقاط ما في بطني ! . فما قول الشرع في هذا ؟ أنا ضائعة خصوصا أن عقد الزواج لم يكن مسجلاًّ رسميّاً ، فقط كان شرعيّاً على يد والدي ، وشاهدين ، أقول حسبي الله أنا لم أفعل شيئاً سيئاً بإخبار أهله لأني ظننتم يتفهمون ، لكن صار العكس .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
قد أخطأ والدك خطأً كبيراً بموافقته على إجراء العقد عرفيّاً من غير تسجيل رسمي ، وقد بينَّا مراراً أن مثل هذا العقد وإن كان شرعيّاً من الناحية النظرية : إلا أنه يترتب على عدم توثيقه بالمحاكم الشرعية أضراراً عظيمة ، ومفاسد جمَّة ، ومن أهمها : عدم نسبة الأولاد إلى أبيهم بوثاق رسمية ، ومنها عدم حفظ حقوق المرأة المالية ، من المهر ، والميراث ، وغير ذلك مما لا يخفى على عاقل .
وانظري جوابي السؤالين : ( 45513 ) و ( 45663 ) .
ثانياً:
الطلاق يقع بكل ما يعبِّر عنه المطلق ، نطقاً ، أو كتابة ، أو إشارة إن كان أخرس ، والرسالة المبعوثة من الزوج بالجوال وفيها طلاقه لزوجته : يقع بها الطلاق ، بشرط ثبوت أنه هو صاحب هذه الرسالة ، وأنه أرسلها باختياره دون إكراه .
وانظري أجوبة الأسئلة : ( 70460 ) و ( 36761 ) و ( 20660 ) .
ثالثاً:
يعتقد كثير من العامة أن طلاق الحامل لا يقع ، وهذا ظن فاسد ، واعتقاد باطل ، بل طلاق الحامل شرعي ، وموافق للسنَّة .
وانظري أدلة ذلك ، وأقوال العلماء في جواب السؤال رقم : ( 12287 ) .
وعليه : فبما أن زوجك قد أقرَّ أنه أرسل تلك الرسالة ، وأنه يعلم ما فيها ، وأنه يقصد معناها : فقد وقع عليكِ طلاقه ، وتُحسب عليكِ طلقة ، وأنتِ ـ الآن ـ في عدة الطلاق حتى تضعي ما في بطنك ؛ لقوله تعالى : ( وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) الطلاق/ من الآية 4 ، وهذه العدة تشمل المطلقة ، والمتوفى عنها زوجها .
ويترتب على الطلاق هذا : أن تبقيْ في بيت الزوجية ، وأن لا تخرجي منه باختيارك ، كما لا يحل له إخراجكِ منه ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ) الطلاق/ 1 .
وهو أحق بردك إلى عصمته أثناء حملكِ ، كما في قوله تعالى ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً ) البقرة/ من الآية 228 .
رابعاً:
أما طلب زوجكِ منكِ إسقاط الجنين وأنت في الشهر السادس من الحمل : فهو طلبٌ منكر ، ولا يحل لكِ مطاوعته على ما أراد ، وهو قتل نفسٍ بغير حق ، وفيه الإثم ، والدية ، وهي هنا دية جنين ، قيمة عبدٍ أو أمَة ، ويقدِّرها العلماء بعُشر ديَة أمِّه ، والكفارة وهي صوم شهرين متتابعين ، وتشتركان ـ أنتِ وزوجكِ ـ في الإثم ، والدية ، وعلى كل واحدٍ منكما صوم شهرين متتابعين ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم : ( 40269 ) ، فلينظر .
فاحذري من إجهاض جنينك ، واتقي الله في فعل ما لا يحل لكِ شرعاً ، وخوفيه بالله تعالى ، واعلمي أنه ليس له طاعة عليك هنا ؛ لأن ما يرغب به معصية ، ولا طاعة لأحدٍ في معصية الله تعالى .
واحرصي على توسيط والدك ، أو من ترينه من أهل العقل والحكمة ، بينك وبينه ، ليرجعك إلى عصمته قبل فوات الأوان ، وإذا حصل هذا : فاحرصي ـ أنت ووالدك ـ أشد الحرص على توثيق عقد الزواج في محكمة شرعية ، ولو ترتب عليه مشاق ، وصعاب .
فإن أبى إلا الطلاق : فاصبري على هذا الابتلاء ، وفوضي أمرك إلى الله ، ولا تبتئسي ، فلعلَّ الله تعالى لك في ولدك الذي في بطنك ، وأن يرزقك زوجاً خيراً منه . وقد قال الله تعالى : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً ) النساء /130 .
والله أعلم