أثر تفسير القران في بناء الشخصية واتزانها
________________________________________
التأثير يتم بمقدار عـظـمـة المؤثر ظهر تأثير تفسير القرآن في بناء الإنسان وشخصيته قوياً وكاملاً، ويصعب علينا حـصـر جميع جوانب التأثير في بناء شخصية الإنسان واتزانها واعتدالها، وسأقتصر على بعض الجــوانـب. وأقـــــول: إن الاشتغال بفهم القرآن وتفسيره والتفقه فيه يرقق إحساس الطالب ويقوي شعوره، وينمي فيه حب الآخرين؛ بحيث يجعله يتألم لألمهم ويفرح لفرحهم، ويسعد لسعادتهم.
ومــن مبتكرات القرآن في التعبير عن هذا الإحساس أن جعل قتل الرجل لغيره قتلاً لنفسه، وجـعـل إخراج الرجل من داره إخراجاً لنفسه، وجعل ظن السوء بغيره ظناً بنفسه، وجعل لمز غـيـره لمزاً لنفسه، وجعل السلام على غيره سلاماً على نفسه، وكل ذلك أراده القرآن في تعبيراته.
__ومـــن تعبيرات القرآن بالنفس وإرادة الغير قال ـ تعالى ـ: ((فَإذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِـكُــــــمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً)) [النور: 61].
والمعنى: فليسلّم بعضكم على بعض، وهــم أهـــل البيـوت التي يدخلونها؛ لأنهم بمنزلة أنفسهم في شدة المحبة والمودة والألفة، ولأنهم منـكــم فـي الدين، فكأنكم حين تسلمون عليهم تسلمون على أنفسكم، وقد أنكر الشيخ ابن عاشور عـلـى من فهم من الآية أن الداخل يسلم على نفسه، فقال: (ولقد عكف قوم على ظاهر هذا اللفظ، وأهملوا دقيقته؛ فظنوا أن الداخل يسلم على نفسه إذا لم يجد أحداً، وهذا بعيد من أغراض التكليف والآداب)(
_فهذا الأسلوب القرآنــي وهذا الخطاب الرباني يؤكد معنى وحدة الأمة ويحدث في النفس أثراً وإحساساً يبـعـثـها على الامتثال؛ فالطالب الذي يربى على هذه المعاني وهذه الدقائق القرآنية، لا شك أنها تؤثر فيه وتغرس فيه هذا الإحساس وهذا الشعور.
_كماإن الاشتغال بفهم القرآن والتفقه فيه يكون سبباً للطمأنينة والسكينة ويحصل لصاحبه عز الدنيا وسعادة الآخرة؛ كما أخبر بذلك المعلم الأول صلى الله عليه وسلم: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويـتـدارســـونـــه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده)
وقد دلت التجارب العملية على ذلك؛ فهذا الرازي ينقل لنا تجاربه فيقول: (وأنا نقلت أنواعاً من العلوم النقلية والعقلية فلم يحصل لي بسبب شيء من العلوم من أنواع السعادات في الدين والدنيا مثل ما حصل بسبب خدمة هذا العلم)(14) يعني تفسير القرآن.
كما ذكرابن عباس، وفي هذا منقبة عظيمة لمن يدعو إلى الله ـ تعالى ـ بالقرآن العظيم وتفسيره وتوضيحه للناس فهو مجاهد(21) اقتداءً بالمصطفى صلى الله عليه وسلم؛ حيث أمره الله أن ينذر قومه بالوحي: ((قُلْ إنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ)) [الأنبياء: 45] وقال: ((وَأُوحِيَ إلَيَّ هَذَا القُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ)) [الأنعام: 19] فكل من أنذر الناس بغير هذا الوحي فهـو مخطئ.