"إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه"..
هذا هو شعاري الذي لن أتنازل عنه.. تأكدي من ذلك، تأكدي أن هذا هو شرطي الوحيد.. لكنَّ الحياة- كما تعلمين- تتطلَّب بعض الأشياء البسيطة.. كلها أشياء بسيطة، تأكدي من ذلك: أريده فقط وسيمًا، طويلاً عريضًا، رياضيًّا في الجسم والتفكير، مَرِحًا لا يحب "التكشيرة"، جذَّابًا بلا غرور، حنونًا عطوفًا، لا يزيد عمره عن عمري بأكثر من خمس سنوات، ميسور الحال، وكريم.. خرِّيج إحدى كليات القمة، وبالطبع ينتمي إلى عائلة عريقة، اجتماعيًّا.. هذه ليست طلبات عسيرة كما ترين!!
فارس الأميرة
كانت هذه باختصار طلبات أميرة، ولكنَّ هذه الأميرة قد تنتظر كثيرًا قبل أن تعثر على فارسها بمواصفاته المبالغ فيها، هذا ما حدث للفتاة هاء (هذا أول حروف اسمها).. جميلة مهذَّبة مثقَّفة.. من عائلة محترمة.. خرِّيجة جامعة باهظة التكاليف، كانت على وشك الثلاثين من عمرها حين جئتها بمفاجأة شاب صالح، ظروفه مناسبة في زمن قلَّ فيه خُطَّابها.
فوجئتُ بأمِّها تحتجُّ بضغط على الكلمات وهي تقول: "محاسب قانوني؟! ابنتي تتزوج من محاسب قانوني؟!! ثم إن ابنتي لديها شرط أساسي، وهو أن يكون زوجها خرِّيجًا من إحدى مدارس اللغات مثلها، ويجيد الحديث باللغة الإنجليزية.. انتهى حديثنا، وأنا أتساءل عن فائدة إجادة اللغة الإنجليزية في موضوع الزواج..؟ هل ستكتب له طلبات المنزل باللغة الإنجليزية أم هل سيتشاجران بالإنجليزية؟!
ومرَّ عامان على هذه الواقعة وأصبحت الأميرة في الثانية والثلاثين، وما زالت في انتظار فارسها!!
كوني واقعية
لذلك أدعوك فتاتي أن تكوني واقعيةً، فالوسامة والعَراقة والمال الوفير و.. و.. ليست أهم متطلبات الزواج، بل هناك معايير مهمَّة، انظري إليها، ولا تضيِّعي فُرَصًا مهمة وحقيقية.
هيَّا أحضِرِي ورقةً وقلمًا، وحدِّدي مواصفات فارسك بواقعية شديدة، وبمنتهى العدل والإنصاف.
اكتبي ما تريدين: الدين- الخلق- شكل ومظهر يُرضيك- العائلة الطيبة- مستوى مادي مناسب- عمل معين- مستوى ثقافي مناسب- مستوى اجتماعي مناسب- و.. و.. و..
تنازلي ولا تتنازلي
وقبل أن تغلقي ملف الاختيار عليك أولاً دراسة هذا الفارق بين المفاهيم:
1- الباءة والثراء: فالباءة هي تكاليف الزواج، هذا ما عبَّر عنه الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- بقوله: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج"، فالباءة لا تعني الثراء المادي.
2- القبول والوسامة والحب؛ فالقبول هو ما عبَّر عنه الرسول- صلى الله عليه وسلم- بقوله: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما"، ويعني القبول الارتياح للطرف الآخر وعدم النفور منه، ولا يعني بأي حال من الأحوال الانبهار بوسامته أو الإعجاب السريع به.
3- العائلة المحترمة والمستوى الاجتماعي والمادي المرتفع.
4- مواصفات لا يمكن التنازل عنها، وهي: الخلق والدين والأسرة الطيبة، ومواصفات يمكنكِ التنازل عنها إذا كان الخاطب إنسانًا صالحًا وفرصةً عظيمةً لا تعوَّض، إذا كانت مسألة هذه المواصفات قابلة للرفض أو القبول.
حسن الاختيار من أهم الأسرار
فلا تجعلي همَّك الأكبر ماله أو وسامته أو عائلته، بل استمعي إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "إذا جاءكم من ترضَون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
فقبل أن تسألي عن عمله اسألي عن صَلاته، هل يواظب عليها؟ هل يصلي في المسجد؟ وقبل أن تسألي عن ماله اسألي عن قرآنه، كم يحفظ؟
وقبل أن تسألي عن وسامته اسألي عن أخلاقه ومعاملاته مع الناس؟
ولا يعني هذا أن نُهمِلَ الأشياء الأخرى، ولكن يجب وضعُها في مكانها الأقل أهميةً، بل ونتغاضَى عن بعضها إن لزم الأمر.
ولا تنسَي أن رفيقَ الدنيا هو رفيق الآخرة، فأحسني الاختيار؛ لعله يرفعك درجاتٍ معه في الجنة.. درجاتٍ لا تستحقينها بعملك بل بحسن اختيارك؛ لذا قال الحسن البصري: "زوِّجها التقيَّ؛ فإنه إن أحبَّها أكرَمَها، وإن أبغضها لم يظلمها".
لذا لم يكن غريبًا أن تخبرني "نشوى" أنها قبل زواجها كانت تتخيَّل أنها ستظل في ذهاب وإياب إلى بيت والدها الذي تحبه؛ لأنها عاشت فيه أجمل أيام حياتها، ولكنها فوجئت بعد أشهر قليلة من زواجها أنها تشتاق إلى بيتها، وأن صحبة زوجها قد أصبحت أجمل من صحبة مَن عاشت معهم ثلاثةً وعشرين عامًا.. هذا ما حدث حين أحسنت الاختيار.. إنها حقًّا آية من آيات الله.